بقلم: عبد الحكيم الأزهري
شهدت جامعة مدينة النور مهرجانًا علميًّا مميزًا حمل في طيّاته رسالةً سامية إلى طلاب العلم والباحثين والمفكرين، مفادها أن العلم هو السبيل الأقوم للنهوض بالإنسانية، وأن العقلية العلمية هي مفتاح التقدم الحضاري.
لقد تشرفتُ بالمشاركة وإلقاء كلمة في هذا الملتقى العلمي الذي جمع بين الفكر والبحث والتطبيق، وكان من اللافت أن موضوعات المهرجان لم تقتصر على النظريات العلمية فحسب، بل تجاوزتها إلى الحديث عن أثر العلم في بناء الإنسان والمجتمع. فالعلوم –بمختلف فروعها– هي التي تمسّ حياة الإنسان اليومية، وتفتح له أبواب الفهم العميق لأسرار الكون، وتُيسّر له الاكتشافات التي تخدم البشرية جمعاء.
إنّ المنهج العلمي لا ينبغي أن يُحصر في قاعات الدرس أو المختبرات، بل يجب أن يكون سلوكًا حياتيًّا يُوجّه التفكير والعمل. فالنظريات العلمية هي التي تُنتج التقنيات الحديثة عبر الهندسة والتطبيق، وما نراه اليوم من تكنولوجيا متقدمة كان قبل عقدٍ من الزمان تجاربَ مخبريةً وأفكارًا على الورق. وما يجري العمل عليه اليوم سيغدو غدًا واقعًا عمليًّا يغيّر وجه الحياة. لكن المهم أن يبقى الهدف الأساس من كل هذا التطور هو خير الإنسان وسعادته.
ولنا أن نتأمل في جائزة نوبل للكيمياء في العام الماضي التي مُنحت لبحثٍ تناول استخدام الذكاء الاصطناعي في تعديل البروتينات. هذه الخطوة العلمية العظيمة تمثل بداية مرحلة جديدة في مجال الطب والعلاج، وستتسع آثارها في الأجيال القادمة. فنحن نعيش اليوم في عالمٍ سريع التغيّر، تتسارع فيه الاكتشافات كل يوم، وتُفتح فيه آفاق جديدة للعلم والمعرفة، مما يجعل من الضروري أن نجعل تجديد المعرفة عادةً دائمةً في حياتنا.
إن مثل هذه الملتقيات العلمية لا تُقام لمجرد العرض والمشاهدة، بل لتكون منصاتٍ لإطلاق الفكر، وتنمية البحث، واستشراف مستقبل الإنسان والكون. وقد جاء مهرجان العلوم الذي عُقد في مركز العلوم والفلك الإقليمي بمدينة كاليكوت نموذجًا رائعًا لذلك، حيث تضمن فعالياتٍ متعددة مثل: الأحاديث العلمية (Science Talks)، والندوات الحوارية (Panel Discussions)، ومعرض “سبارك” العلمي (Spark Science Expo)، ومعرض الكتب “إنفونوفا” (Infonova Book Fair)، وغيرها من البرامج الثرية التي جمعت بين المتعة والفائدة.
وقد شارك في المهرجان نخبة من الأساتذة المتميزين والباحثين المبدعين وطلاب الدراسات العليا، مما أضفى على الفعالية روحًا علميةً مفعمة بالحيوية والطموح.
ختامًا، فإن مهرجان العلوم في جامعة مدينة النور ليس مجرد حدثٍ عابر، بل هو إشراقة فكرية ورسالة حضارية تؤكد أن طريق النهضة يبدأ من العقل المتسائل، ومن الإنسان الذي يربط العلم بالقيم، والمعرفة بالغاية النبيلة. نسأل الله أن يُبارك في هذه الجهود، وأن يجعل من هذا المهرجان منارةً للعلم والإبداع في الأعوام القادمة.


0 تعليقات