خطبة الجمعة
الموضوع: الوطنية في الإسلام
الخطبة الأولى
اعداد:عبد الله البلنوري
الحمد لله الذي جعل حبَّ الأوطان من الإيمان، وأمر بحفظ البلاد وصيانة العباد، وحثَّ على التعاون على البر والتقوى، ونهى عن الفساد في الأرض والبغي والعدوان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله علي محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أوصيكم ونفسي ا أولاً بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء: 131].
أيها الإخوة المسلمون:
الوطن هو الأرض التي نشأنا فيها، وشربنا من مائها، وعشنا في ظل أمنها، وفي ربوعها دفن آباؤنا وأجدادنا، وحب الوطن من طبائع البشر، وقد جاء الإسلام بتأكيد هذا المعنى، وربط الوطنية بالأمانة والوفاء.
لقد كان رسول الله ﷺ يحب وطنه مكة حبًّا شديدًا، ولما أُخرج منها قال كما في الحديث الصحيح:
«والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت» (رواه الترمذي).
فحب الوطن إذن ليس شعارًا يُرفع، بل هو سلوكٌ يُترجم إلى حماية، وإعمار، والدعاء له بالخير والأمن.
أيها الأحبة:
الوطنية في الإسلام ليست تعصبًا أعمى، ولا ظلمًا للآخرين، بل هي وفاءٌ وانتماءٌ يوافق الشرع. فالمواطن الصالح هو من يحفظ أمن بلاده، ويعمل بإخلاص، ويبتعد عن كل ما يضر المجتمع من فساد أو فتنة.
قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].
عباد الله:
إن الوطنية في الإسلام تعني أيضًا نصح ولاة الأمر، واحترام القوانين التي توافق الشرع، والحفاظ على الممتلكات العامة، والمشاركة في إعمار البلاد. قال ﷺ:
«من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا» (رواه الترمذي).
فالنعمة العظمى التي يجب أن نشكر الله عليها هي نعمة الأمن والاستقرار في أوطاننا، وهذه النعمة لا تدوم إلا بطاعة الله، والالتفاف حول الحق، والتعاون على الخير، واجتناب الفتن التي تفرق الصفوف.
فلنحرص جميعًا على أن نكون مواطنين صالحين، نحب أوطاننا ونخدمها، وندعو الله أن يحفظها من كل سوء.
الدعاء:
اللهم احفظ أوطان المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم من أراد ببلادنا وبلاد المسلمين سوءًا فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، واجعلهم هداة مهتدين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــ
خطبة الجمعة
اعداد:عبد الله البلنوري
الحمد لله الذي هدانا للإيمان، وشرّفنا ببعثة خير الأنام، وأتمّ علينا نعمة الإسلام، وجعل محبة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من أعظم القربات، واتباعه سبباً للفوز بالجنات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:
أوصيكم ونفسي أولاً بتقوى الله عز وجل، فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء:131].
عباد الله:
ها نحن في أيام مباركة، نعيش فيها ذكرى مولد خير البرية، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أشرق نوره على الدنيا فبدّد ظلمات الجاهلية، وأنقذ البشرية من عبادة الأصنام والأوثان إلى عبادة رب العالمين.
إنّ الاحتفال بميلاد المصطفى امر مطلوب شرعا هو إظهارٌ للفرح بمولده الشريف، وتعظيمٌ لجناب المصطفى الكريم، وتذكيرٌ بفضله ورسالته الخالدة. وقد قال الله تعالى ممتنًّا على عباده:
﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ [آل عمران:164].
أيها الإخوة:
إنّ مجالس المولد، وما فيها من ذكرٍ ومدحٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسماعٍ لسيرته، وتلاوةٍ لشمائله، هي من المجالس التي تُحيي القلوب وتقرّب من الله، فهي مجالس الرحمة والسكينة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» (رواه مسلم
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين» (رواه البخاري ومسلم).
فلنغرس حب النبي في قلوب أبنائنا وبناتنا، ولنعرّفهم سيرته العطرة، ولنحيي سنته في بيوتنا ومساجدنا ومجتمعاتنا، ليبقى نور الهداية متوهجاً في قلوبنا إلى يوم نلقى الله.
عباد الله
ميلاد النبي ﷺ هو ميلاد النور والهدى، يوم أشرقت فيه الدنيا برسالة الرحمة للعالمين.
الاحتفال بمولده الشريف تعبير عن المحبة الصادقة لخير البرية، الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور.
إنه يوم الفرح الأعظم، يوم تذكّرنا فيه سيرته العطرة، فنقتدي بسنته وننشر رسالته في الأرض.
ميلاده ﷺ ليس حدثًا تاريخيًا عابرًا، بل هو بداية عهد جديد للإنسانية كلها.
ما أعظم أن يجتمع المسلمون على ذكر شمائله، ومدحه، والصلاة عليه، فهو سبب سعادتهم في الدنيا والآخرة.
الاحتفال بالمولد ليس مجرد كلمات وأناشيد، بل هو تجديد للعهد مع رسول الله ﷺ على اتباع هديه ونشر أخلاقه.
في ذكرى مولده الشريف، نغرس في قلوبنا محبته، ونغذي أرواحنا بأنواره، ونجدد عزمنا على خدمة رسالته.
ـــ
🕌 خطبة الجمعة
الآداب في معاملة الرسول ﷺ في القرآن الكريم
اعداد عبد الله البلنوري
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى والبيّنات، وجعل طاعته طاعةً له، ومحبته قربةً عنده، وتعظيمه شرفًا لأوليائه، ومخالفته خسرانًا على أعدائه.
أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رفع منار هذا الدين، وأتمّ به النعمة على العالمين.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صفوته من خلقه، وخيرته من بريّته، أرسله الله رحمةً للعالمين، وحجةً على الناس أجمعين، صلي الله وسلم علي سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الغرّ الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أوصيكم عباد الله واياي أولًا بتقوى الله تعالى، فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال سبحانه:
﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُوا ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ﴾ [النساء: 131].
أيها المسلمون،
حديثنا اليوم عن موضوع عظيم، ألا وهو الآداب في معاملة الرسول ﷺ كما وردت في كتاب الله عز وجل.
لقد علّمنا القرآن الكريم كيف نوقر النبي ونحترمه ونخاطبه، لأن ذلك من تعظيم الله عز وجل، قال تعالى:
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ شَـٰهِدًۭا وَمُبَشِّرًۭا وَنَذِيرًۭا * لِّتُؤْمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ [الفتح: 8-9].
ومن هذه الآداب العظيمة:
1️⃣ عدم رفع الصوت فوق صوته ﷺ
قال تعالى:
﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَرْفَعُوٓا۟ أَصْوَٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِىِّ وَلَا تَجْهَرُوا۟ لَهُۥ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَـٰلُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات: 2].
وفيها بيان أن الأدب مع النبي شرط لقبول الأعمال.
2️⃣ التأدب عند النداء
قال تعالى: ﴿لَا تَجْعَلُوا۟ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُم بَعْضًۭا﴾ [النور: 63].
فلا يُقال له باسمه مجردًا، بل نقول: يا رسول الله، يا نبي الله.
3️⃣ التسليم لأوامره ﷺ
قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا۟ فِىٓ أَنفُسِهِمْ حَرَجًۭا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًۭا﴾ [النساء: 65].
4️⃣ كثرة الصلاة والسلام عليه ﷺ
قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ ۚ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًۭا﴾ [الأحزاب: 56]. .
عباد الله،
من أعظم مظاهر الأدب مع رسول الله ﷺ في زماننا:
نشر سنته الصحيحة وتعلمها.
الدفاع عنه ﷺ عند الطعن أو الاستهزاء به.
محبته فوق محبة النفس والولد والمال، كما قال ﷺ:
«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين» [البخاري ومسلم].
فاتقوا الله أيها الأحبة، وأدّوا حق نبيكم بالاتباع والطاعة والاقتداء، واحذروا من مخالفة أمره، قال تعالى:
﴿فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَـٰلِفُونَ عَنْ أَمْرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ﴾ [النور: 63
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
ــ
خطبة الجمعة
اعداد:عبد الله الثقافي البلنوري
الحمد لله الذي أرسل سيدنا محمداً رحمةً للعالمين، وجعل ميلاده نوراً أضاء الأكوان، وشرَّف به الدنيا والزمان، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صلي الله وسلم علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، عباد الله:
أوصيكم ونفسي المقصرة أولاً بتقوى الله عز وجل، فهي وصيته للأولين والآخرين.
أيها المسلمون:
إن يوم الثاني عشر من ربيع الأول يومٌ عظيمٌ في تاريخ البشرية، إذ وُلد فيه سيِّد المرسلين وإمام المتقين، محمدٌ صلى الله عليه وسلم، الذي قال الله عنه:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].
لقد امتنّ الله على المؤمنين بمولده وبعثته فقال:
﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ [آل عمران: 164].
وإذا تأملنا قول الله تعالى على لسان نبيِّه عيسى عليه السلام:
﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 33]،
فإن في ذلك إشارةً إلى أن يوم الميلاد يومٌ مبارك، وإذا كان هذا في حق نبي الله عيسى، فمولد النبي محمدٍ ﷺ أولى بالسلام والبركات والرحمات.
عباد الله:
لقد سُئل النبي ﷺ عن صيام يوم الاثنين فقال:
«ذلك يوم وُلدت فيه، ويوم بُعثت فيه» [رواه مسلم].
فهذا دليل على مشروعية شكر الله وتعظيم يوم ميلاده صلى الله عليه وسلم.
أيها الأحبة في الله:
إن يوم الثاني عشر من ربيع الأول يذكّرنا بوجوب تجديد العهد مع رسول الله ﷺ، وذلك بالاقتداء بسنته، ونشر سيرته، وإظهار الفرح بمولده، فقد قال العلماء: إظهار السرور بمولده ﷺ من أعظم القربات.
وقد وُلد عليه الصلاة والسلام يوم الاثنين 12 ربيع الأول من عام الفيل، وفي ذلك اليوم أشرقت الأرض بنور الحق، وعمّت الرحمة، وبُشّر الناس بمجيء النبي الذي رفع الله ذكره، فقال سبحانه:
﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح: 4].
فلنغتنم هذا اليوم المبارك بذكر الله، وكثرة الصلاة على رسول الله ﷺ، وبالعمل بما جاء به من الهداية والنور.
ــ
خطبة الجمعة
معاملة الرسول مع المجرمين
إعداد: عبد الله البلنوري
الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء، وعدله قائم في الأرض والسماء، يقيم الحدود لحماية العباد، ويشرع العفو رحمة بالخلق والبلاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تُنجي قائلها من العذاب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إمام المرسلين، وخاتم النبيين، صلى الله وسلم وبارك علي محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [الأحزاب:70-71].
أما بعد،
فإن من أعظم ما تميزت به سيرة النبي ﷺ أنه كان رحيماً بالمجرمين والعصاة، يعاملهم بحكمة ورحمة، ويؤدبهم إذا احتاج الأمر، ويعفو عنهم إذا كان العفو أصلح. فجمع بين الحزم واللين، وبين العدل والإحسان، فصار قدوة للعالمين].
أيها الإخوة المؤمنون،
حديثنا اليوم عن جانب عظيم من جوانب السيرة النبوية، ألا وهو معاملة النبي ﷺ مع المجرمين والعصاة، فقد كان قدوة للعالمين، لم يكن انتقامياً ولا غليظ القلب، بل جمع بين الحزم والعدل من جهة، والرحمة والصفح من جهة أخرى.
لقد واجه النبي ﷺ في حياته من المجرمين والخصوم من آذاه وضربه وأخرجه من بلده، ومع ذلك لم يجعل قلبه أسيراً للحقد. يقول الله تعالى:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران:159].
ومن الأمثلة العظيمة:
لما جاءه شاب يستأذنه في الزنا، لم يوبخه ﷺ ولم يطرده، بل حاوره برفق وقال: «أترضاه لأمك؟» حتى قنع الشاب وخرج وليس في قلبه شيء من ذلك.
ومن رحمته أنه لما جيء برجل قد شرب الخمر وضُرب، قال بعض الصحابة: "لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به"، فقال النبي ﷺ: «لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله» رواه البخاري.
وعفا ﷺ عن أهل مكة يوم الفتح، بعدما آذوه وحاربوه سنوات طويلة، وقال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
أيها المسلمون،
إن هذه النماذج النبوية تعلمنا أن التعامل مع المجرم لا يكون بالغلظة وحدها، بل بالرحمة والتأديب والإصلاح، وأن إقامة الحدود إنما شرعت لحماية المجتمع لا للانتقام..
عباد الله،
ما أحوجنا اليوم أن نقتدي برسولنا الكريم ﷺ في أسلوبه في الإصلاح والتقويم، فقد جمع بين الرحمة بالضعيف، والعدل مع المسيء، والحزم مع المجرم عند الحاجة. وهذا منهج وسط لا إفراط فيه ولا تفريط.
قال تعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب:21].
فلتكن بيوتنا، ومدارسنا، ومجتمعاتنا قائمة على مبدأ الإصلاح والرحمة، بعيداً عن الانتقام والتشفي.
ـــ
خطبة الجمعة
اعداد:عبد الله البلنوري
الحمد لله الذي أمر بالاجتماع ونهى عن التفرّق والاختلاف، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اما بعد فيا ايها الناس
أوصيكم عباد الله ونفسي المقصّرة أولاً بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء: 131].
أيها الإخوة المؤمنون،
حديثنا اليوم عن أسباب انحطاط المسلمين وتخلّفهم عن ركب الحضارة والقيادة بعدما كانوا سادة الأمم وحملة الرسالة. لقد قال الله تعالى:
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110].
لكننا – وللأسف – لما تخلينا عن هذه الصفات العظيمة، وتركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغفلنا عن الإيمان الحق والعمل الصالح، تبدّلت أحوالنا، وضعفت قوتنا، وتسلّطت علينا الأمم كما أخبر النبي ﷺ:
«يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». قالوا: أو من قلّة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوّكم المهابة منكم، وليقذفنّ في قلوبكم الوهن». قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: «حبّ الدنيا وكراهية الموت» [رواه أبو داود].
أيها الأحبة في الله،
إن انحطاط المسلمين لم يأت من فراغ، بل له أسباب واضحة، منها:
ترك القرآن والسنة والعمل بغيرهما.
الفرقة والتنازع بين المسلمين.
التشبّه بأعداء الله في عاداتهم وأخلاقهم.
الانغماس في الشهوات والملذّات وترك الجدّ والاجتهاد.
الظلم وانتشار الفساد في الحكم والمجتمع.
ولو أننا رجعنا إلى ديننا رجوعاً صادقاً، وطبّقنا شريعة ربنا، لارتفعت رايتنا من جديد، قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11].
عباد الله،
إن العلاج من هذا الانحطاط والتخلّف هو العودة الصادقة إلى الله، والتمسّك بكتابه وسنة نبيه ﷺ، ووحدة صف المسلمين، والتخلّق بأخلاق الإسلام، والأخذ بأسباب القوة في العلم والعمل، فالدين لا يأمرنا بالتواكل والكسل، بل يحثّنا على الجدّ والاجتهاد.
فلنكن عباد الله من الذين قال الله فيهم:
﴿الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج: 41].
الدعاء:
اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم وحّد صفوفهم، واجمع كلمتهم على الحق، اللهم ارزقنا العودة الصادقة إلى كتابك وسنة نبيك، اللهم ارفع عنا الذل والهوان، وانصرنا على أعدائك أعداء الدين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.
وصلّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأقم الصلاة.
ـــ
🕌 خطبة الجمعة
اعداد:عبد الله البلنوري
الحمد لله الذي زكّى من شاء من عباده، وجعل الفلاح في طهارة القلوب وصفاء النفوس، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي المقصّرة أولاً بتقوى الله،
أيها الأحبة في الله،
موضوعنا في هذا اليوم المبارك هو تزكية القلوب وأهميتها.
إن القلب هو موضع نظر الرب جل جلاله، كما قال النبي ﷺ: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" [رواه مسلم]. فصلاح الجوارح متفرع من صلاح القلب، فإذا طهر القلب استقامت الجوارح، وإذا فسد القلب فسدت الأعمال كلها.
وقد أقسم الله تعالى في كتابه العظيم على أن الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة مرهون بتزكية النفس وتطهير القلب:
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ [الشمس:9-10].
طرق تزكية القلوب
عباد الله، من أهم طرق التزكية:
الإيمان الصادق بالله ورسوله، قال تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء:89].
المداومة على ذكر الله، فالقلوب تحيا بذكره وتطمئن بذكره.
التوبة الصادقة والإنابة، فمن أعظم ما يطهر القلب كثرة الاستغفار والتوبة من الذنوب.
صحبة الصالحين، فهم عون على الخير وزاد للطريق.
تلاوة القرآن وتدبره، فهو شفاء لما في الصدور ونور للقلوب.
الإخلاص لله في العمل، فالإخلاص ينقي القلب من شوائب الرياء.
أيها الأحبة، وقد أوصى الأولياء الصادقون بهذه المعاني، ومن ذلك ما قاله الإمام العارف بالله الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله:
"طهر قلبك من الأغيار، تجد الله فيه"
"كن مع الحق بلا خلق، ومع الخلق بلا نفس"
"عليك بالصدق، فإنه باب الوصول إلى الله"
"اعمل لله بظاهرِك وباطنِك، ولا تلتفت إلى مدح الناس ولا إلى ذمّهم".
هذه وصايا جامعة، تدعو إلى إخلاص القلب لله، وإفراغه من محبة الدنيا، وتوجيهه إلى الله عز وجل وحده.
تزكية القلوب هي مفتاح السعادة في الدنيا والآخرة. فإذا امتلأ القلب بالإيمان واليقين والرضا، عاش صاحبه مطمئناً، وإذا خلا من ذلك صار مرتعاً للوساوس والهموم والأحزان.
فلنحرص على تزكية قلوبنا بالعلم والعمل، ولنستفد من وصايا الصالحين كالإمام الجيلاني الذي قال: "إذا صلح القلب صلح الجسد كله، فاشتغل بإصلاح قلبك يغنك الله عن غيرك".
فاتقوا الله عباد الله، واسألوا الله أن يطهر قلوبكم ويزكي نفوسكم، فإنه لا يزكي القلوب إلا هو سبحانه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أيها المسلمون،
تزكية القلوب هي مفتاح السعادة في الدنيا والآخرة. فإذا امتلأ القلب بالإيمان واليقين والرضا، عاش صاحبه مطمئناً، وإذا خلا من ذلك صار مرتعاً للوساوس والهموم والأحزان.
فلنحرص على تزكية قلوبنا بالعلم والعمل، ولنستفد من وصايا الصالحين كالإمام الجيلاني الذي قال: "إذا صلح القلب صلح الجسد كله، فاشتغل بإصلاح قلبك يغنك الله عن غيرك".
عباد الله، أكثروا من الصلاة والسلام على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال الله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56].
اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، واغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا ولجميع المسلمين.
عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
ـــ
خطبة الجمعة
عبد الله البلنوري الهندي
الحمد لله الذي هدانا للإيمان، وشرح صدورنا للإسلام، وأكرمنا بالقرآن، وجعل في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم حياةً للقلوب والأبدان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم علي سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي الخاطئة أولاً بتقوى الله عز وجل، فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال سبحانه:
﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء: 131].
عباد الله،
حديثنا اليوم عن منهج تربية النفوس عند الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله، ذلك الإمام الرباني الذي جمع بين العلم والعمل، وبين الزهد والورع، وبين الشريعة والحقيقة.
لقد أدرك الشيخ عبد القادر أن النفس هي ميدان الصراع، وأنها إن لم تُهذَّب وتقوَّم أفسدت على العبد دينه ودنياه، لذلك جعل من تزكية النفس وتربيتها أساس دعوته، امتثالاً لقوله تعالى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 9-10].
ومن أبرز معالم منهجه في التربية:
الاعتماد على الكتاب والسنة: فقد كان يقول لتلاميذه: "قفوا عند حدود الشرع، ولا تتجاوزوها، فمن أراد الوصول فطريقه متابعة الرسول ﷺ".
المجاهدة والصبر: إذ كان يحث على مخالفة الهوى، والصبر على الطاعات، وترك المحرمات، قائلاً: "لا طريق إلى الله إلا بمخالفة النفس والهوى والشيطان".
الإخلاص لله تعالى: فقد جعل الإخلاص شرطاً في كل عبادة، وذكر أن العمل بلا إخلاص كالجسد بلا روح.
الصحبة الصالحة: كان يؤكد على لزوم مجالس الذكر والعلم والصالحين، لأن النفوس تتربى بالقدوة والرفقة الطيبة.
التوازن بين الظاهر والباطن: فلم يكتفِ بالعبادات الشكلية، بل دعا إلى تهذيب القلب، والتواضع، والرحمة بالخلق، محذراً من الرياء والعجب.
إن حاجتنا اليوم إلى منهج كهذا عظيمة، فقد كثرت الفتن، وضعفت النفوس أمام الشهوات والشبهات، ولا علاج لها إلا بالعودة إلى تزكية القلب، وربطه برب العالمين، كما ربّى الشيخ الجيلاني أتباعه على ذلك.
عباد الله،
لقد بيّن الشيخ عبد القادر الجيلاني أن النفوس ثلاثة:
نفس أمّارة بالسوء تحتاج إلى مجاهدة وردع.
ونفس لوّامة تحتاج إلى تثبيت وتقوية.
ونفس مطمئنة وهي غاية المجاهدين، التي قال الله فيها:
﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾ [الفجر: 27-28].
فلنجاهد أنفسنا، ولنجعل قلوبنا معلقة بالله، ولنتأسَّ في ذلك بالأنبياء والأولياء والصالحين، ومنهم الشيخ الجيلاني، الذي أورث الأمة علماً وحكمة ومنهجاً في إصلاح القلوب وتزكية النفوس.
ـــ
:
🕌 خطبة الجمعة
الموضوع: كلمة التوحيد
اعداد:عبد الله الثقافي البلنوري
الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، مكور الليل على النهار، تبصرةً لأولي القلوب والأبصار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تنجّي من النار، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، المختار من الأطهار، صلى الله علي محمد وعلى آله وصحبه الأبرار، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها المؤمنون الكرام، اما بعد فيا ايها الناس
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فهي خيرُ زادٍ ليوم المعاد، واعلموا أن من أعظم ما يُقرِّب العبدَ إلى مولاه كلمةَ التوحيد، الكلمةَ العظيمة التي قامت بها السماوات والأرض، كلمةَ "لا إله إلا الله".
قال النبي ﷺ: «أفضلُ ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله» (رواه الترمذي).
هذه الكلمة أيها الإخوة، ليست مجرد لفظٍ باللسان، بل هي عقيدةٌ في الجَنان، وعملٌ بالأركان، وإخلاصٌ لا يداخله شركٌ ولا رياء.
بها يُفارق العبدُ الكفر، وبها يدخل الإسلام، وهي مفتاحُ الجنة لمن مات عليها موقنًا بها من قلبه، كما قال ﷺ:
«من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة»
(رواه مسلم).
يا عباد الله،
كلمة التوحيد تُطهّر القلب من أدران الشرك، وتغسل الذنوب غسلاً، قال ﷺ:
«إن الله سيخلّص رجلًا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر له تسعةً وتسعين سجلًّا من الذنوب، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئًا؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: إن لك عندنا حسنة، إنه لا ظلم اليوم، فتُخرج بطاقة فيها: لا إله إلا الله، فتوضع في كفة، وتوضع السجلات في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة». (رواه الترمذي).
فانظروا – رحمكم الله – كيف رجحت كلمة واحدة، لكنها خالصة لله، على سجلات من المعاصي والذنوب!
أيها الأحبة في الله،
من أراد أن ينتفع بلا إله إلا الله، فليقلها بصدقٍ من قلبه، ولْيَعلم معناها، ويعمل بمقتضاها، فإنها ليست كلمة تُقال باللسان فقط، بل هي عهدٌ وميثاقٌ مع الله، أن نعبده وحده لا شريك له، فلا نسجد إلا له، ولا نستغيث إلا به، ولا نحبّ حبَّ عبادةٍ سواه.
قال الحسن البصري رحمه الله:
"ليس الإيمان بالتحلّي ولا بالتمنّي، ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل".
فلنُجدّد إخلاصنا، ولنملأ ألسنتنا بذكر الله، وخصوصًا بـ"لا إله إلا الله"، فهي مفتاح الجنة، وهي أحسن الذكر، وهي النجاة في القبر والموقف.
قال ﷺ:
«لقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله»
(رواه مسلم).
لأنها الكلمة التي يُختم بها العمر، فتكون الفارق بين الجنة والنار
اللهم اجعلنا من أهل لا إله إلا الله،
اللهم اختم لنا بها عند الموت، وابعثنا عليها يوم القيامة، وادخلنا بها الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب.
اللهم صلّ وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــ
عنوان الخطبة: مشكلات الأسرة وعلاجها
اعداد:عبد الله الثقافي البلنوري
الحمد لله الذي جعل الأسرة لبنة المجتمع، وأمر بإصلاحها ووصلها، ونهى عن هدمها وقطعها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للمؤمنين، صلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اما بعد:فيا ايها الناس اوصيكم عباد الله
أيها المسلمون،
إن الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع، وإذا صلحت صلح المجتمع كله، وإذا فسدت فسد المجتمع بأسره. وقد جعل الله تعالى الزواج ميثاقًا غليظًا، وسبيلاً إلى المودة والرحمة، فقال سبحانه:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].
لكننا نرى في زماننا كثرة المشكلات الأسرية، وازدياد حالات الطلاق، وتفكك الروابط بين الأزواج والآباء والأبناء، حتى غابت المودة وحلّ محلها الجفاء، وغابت الرحمة فحلّت محلها القسوة والعناد.
ومن أهم أسباب المشكلات الأسرية:
ضعف الوازع الديني، وابتعاد الزوجين عن منهج الله.
سوء الاختيار عند الزواج، من غير نظر إلى الدين والخلق.
غياب الحوار والتفاهم بين الزوجين، وسيطرة الأنانية والشك.
تدخل الأهل والأصدقاء في شؤون الحياة الزوجية الخاصة.
الانشغال الزائد بالتقنيات ووسائل التواصل على حساب العِشرة والمودة.
ولقد علمنا النبي ﷺ كيف تُبنى الأسرة على الاحترام والمودة، فقال:
"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" [رواه الترمذي].
أيها الأحبة،
الأسرة لا تقوم على الحقوق فقط، بل على العفو والتغاضي والإحسان. قال تعالى:
{وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237]..
عباد الله،
إن علاج مشكلات الأسرة يبدأ من الرجوع إلى شرع الله، والاقتداء بسنة نبيه ﷺ.
ومن العلاجات النافعة:
التحلي بالصبر والحلم عند الخلاف.
الحوار الهادئ بعيدًا عن الغضب والانفعال.
العدل بين الأبناء وغرس القيم فيهم بالقدوة الحسنة.
التربية الإيمانية التي تربط أفراد الأسرة بالله تعالى.
الاستعانة بالحكماء والعلماء في حل النزاعات.
ولنعلم أن البيت المسلم لا يخلو من المشكلات، لكن المؤمن يتعامل معها بالحكمة لا بالعنف، وبالرفق لا بالقسوة. قال النبي ﷺ:
"ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه" [رواه مسلم].
فاتقوا الله أيها الأزواج والآباء والأمهات، وكونوا قدوة صالحة لأبنائكم، وازرعوا في بيوتكم الحب والرحمة والتعاون، ليكون المجتمع المسلم قويًّا متماسكًا.
{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ، وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
اللهم أصلح بيوتنا، وألف بين قلوبنا، واهدنا إلى سواء السبيل،
اللهم اجعل بيوتنا عامرة بالإيمان، ومجتمعاتنا متماسكة بالرحمة،
اللهم بارك في الأزواج والزوجات، والأبناء والبنات، واغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، ولجميع المسلمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــ
:
🕌 خطبة الجمعة: حقوق على النفس
إعداد:عبد الله البلنوري
الحمد لله الذي خلق الإنسان وكرّمه، وألهمه فجوره وتقواه، وجعل صلاح النفس سبيلًا إلى فلاح الدنيا والآخرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، صلى الله وسلم علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه في السر والعلن، واعلموا أن من أعظم ما أُمرتم به: إصلاحُ النفس ومحاسبتُها، فإنها أمانة بين يدي الله، قال تعالى:
> {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7-10].
أيها المسلمون،
لكل إنسان على نفسه حقوق عظيمة أمره الله بحفظها، ونهى عن تضييعها، ومن هذه الحقوق:---
الحق الأول: حق النفس في الطاعة والعبادة
خلَق الله النفس لتعبده، لا لتُغرق في الشهوات والملذّات، قال تعالى:
> {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
فمن حق النفس أن تُطهَّر بالصلاة، وتُروى بذكر الله، وتُنوَّر بالقرآن، فإن لم تُغذَّ بالعبادة ضعفت ومرضت.
الحق الثاني: حق النفس في التزكية والإصلاح
على المسلم أن يزكّي نفسه من الذنوب، ويطهّرها من الأخلاق السيئة، كالرياء والكبر والحسد. قال تعالى:
> {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}.
وقال النبي ﷺ:
"المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله."
فجهاد النفس هو أصل كل جهاد.-
الحق الثالث: حق النفس في الراحة والاعتدال
إن لنفسك عليك حقًا، فلا تُرهقها بالسهر أو بالعمل بلا راحة، ولا تتركها للكسل والتفريط، بل كن وسطًا كما قال النبي ﷺ لسلمان رضي الله عنه:
> "إنَّ لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه."
[رواه البخاري].---
الحق الرابع: حق النفس في الحفظ من المعاصي والمهلكات
احفظ نفسك من النار، واصرفها عن الحرام، قال تعالى:
> {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6].
فالنفس تحتاج إلى تربية ومجاهدة، وإلا قادَت صاحبها إلى الهلاك.---
الحق الخامس: حق النفس في التوبة والرجوع
كل نفس تخطئ، لكن من حقها أن تُفتح لها أبواب التوبة، فلا تيأس من رحمة الله، قال تعالى:
> {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53].
فمن تاب، تاب الله عليه، ومن أقبل على ربه وجد السعادة والطمأنينة..
اللهم أصلح نفوسنا، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليها ومولاها.
ــــ
خطبة الجمعة
عبد الله البلنوري
الموضوع:محبة الصالحين
الحمد لله الذي جعل في كل زمان بقيةً من عباده الصالحين، يهتدي بهم التائهون، ويقتدي بسيرتهم المخلصون، نحمده سبحانه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله رحمةً للعالمين، وقدوةً للسالكين، صلى الله وسلم علي سيدنا محمدوعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغرّ الميامين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد، أوصيكم عباد الله
فإن من علامات الإيمان الصادق محبة الصالحين، أولئك الذين اصطفاهم الله لمعرفة الحق، وأكرمهم بالثبات على الطاعة، وجعل في قلوبهم نور الهداية، قال الله تعالى:
> ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس: 62–63].
فمحبة الصالحين من محبة الله، لأن الله يحب عباده الذين أحبوه وعبدوه بإخلاص، ومن أحبهم نال من بركتهم ودعا لهم بالرحمة واتباع آثارهم الحسنة. قال النبي ﷺ:
> «المرء مع من أحب» (رواه البخاري ومسلم).
أي أن من أحبّ أهل الخير والصلاح، ولو لم يبلغ عملهم، جُعل في زمرتهم يوم القيامة، وهذه بشارة عظيمة لأهل القلوب الطاهرة.
أيها الإخوة المؤمنون،
إنَّ تذكار الصالحين ليس بدعة ولا رياء، بل هو تذكير بالنماذج المضيئة في طريق الإيمان، وتجديد للعهد على السير على منهجهم في الطاعة والزهد والإخلاص. قال الله تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات: 55].---
عباد الله،
من أولئك الصالحين الذين نذكرهم بكل تقديرٍ وإجلال الشيخُ أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه، الإمامُ العارفُ بالله، سيدُ الطائفة الرفاعية، الذي عاش عمره في نشر العلم والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، جمع بين الشريعة والحقيقة، وبين العلم والعمل، وبين التواضع والجهاد في سبيل الله.
كان يقول رضي الله عنه: "طريقنا علمٌ وعمل، لا كلامٌ وجدال." وكان يوصي مريديه بالمحبة والتواضع والإحسان إلى الخلق، ويقول: "من أحبّ الله، أحبّ خلقَ الله، وخدمَ عبادَ الله."
لقد ترك الشيخ أحمد الرفاعي إرثًا من النور، وسلسلة من التربية الصادقة، فانتفع به خلق كثير في مشارق الأرض ومغاربها، وما زالت زاويته ومدرسته تخرّج العلماء والعارفين إلى اليوم.
أيها الأحبة،
إنّ تذكار أمثال هؤلاء ليس تمجيدًا للأشخاص، وإنما هو تجديدٌ للنية على الاقتداء بهم، وسيرٌ على دربهم في التزكية والإخلاص، لأنهم مصابيح الهدى في زمان الغفلة، قال تعالى﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: 74].
فلنكن ممن يحبون الصالحين، ويتبعون سبيلهم، ويقتبسون من أنوارهم، فإن في صحبتهم حياة القلوب، وبركة الأعمال، وسكينة الأرواح.
اللهم اجعلنا من الذين يحبونك ويحبون أولياءك، وارضَ عنا كما رضيت عنهم، واغفر لنا ولآبائنا ومشايخنا، ولجميع المسلمين.
---
خطبة الجمعة: فسادُ الناسِ وأسبابُه وآثارُه
الحمد لله الذي خلق الخلق فأحصاهم عددًا، ورزقهم فلم يترك
منهم أحدًا، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، جعل الصلاحَ حياةً للقلوب، وجعل الفسادَ سببَ هلاكِ الأمم وخرابِ الديار. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أرسله اللهُ ليخرج الناسَ من ظلمات الفتن إلى نور الهدى، فصلى الله وسلم علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى.
أما بعد، فاتقوا الله عباد الله؛ فإن التقوى أصلُ كل صلاح، وتركُها أصلُ كل فساد، وما انحرف الناسُ في أخلاقهم وأعمالهم إلا يوم ابتعدوا عن كتاب ربهم وسنة نبيه
أما بعد، عباد الله:
إن من أشدِّ ما ابتُليت به المجتمعاتُ في زماننا فسادُ الناس؛ فسادٌ في الأخلاق، وفسادٌ في المعاملات، وفسادٌ في القلوب، حتى صار المنكر معروفًا، والمعروفُ منكرًا، وقلَّ الأمناءُ وكثُر الخونة، وضعف الورعُ وانتشر الظلم.
قال الله تعالى:
﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾،
وما ذاك إلا بسبب بُعد الناس عن ربهم، وغفلتهم عن أمره ونهيه، واتباعهم للشهوات والماديات.
عباد الله، إن فساد الناس لا يأتي فجأة؛ بل يبدأ من فساد القلب، فإذا فسد القلب فسد الجسد كله، كما قال النبي ﷺ.
ويبدأ من ترك الصلاة، وتضييع الأمانات، والتساهل في الحلال والحرام، والتهاون في حقوق العباد، والغش والربا والظلم، وقطع الأرحام، والوقوع في أعراض الناس.
وإن من صور الفساد المنتشرة اليوم:
ضعف الأمانة وكثرة الخيانة.
الغش في التجارة والوظائف.
انتشار الكذب والأخبار الزائفة.
ضياع الحقوق بين الأزواج والأولاد.
انتشار الفواحش وإظهارها بلا حياء.
ظلم العمال والضعفاء.
جرأة الناس على الله ورسوله، وترك أوامرهما.
عباد الله، إن الفساد إذا انتشر عمّ البلاء، ورفع الله البركات، ونُزِع الأمن، وكثُرت الفتن.
ولا علاج لهذا إلا بالرجوع إلى الله، وإحياء الإيمان في القلوب، وتربية النفوس على التقوى، وإقامة العدل، وإحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال تعالى:
﴿إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم
خطبة الجمعة: العِزَّة وأسبابها
عبد الله البلنوري
الحمد لله العزيزِ الغفّار، القويِّ الجبّار، نحمَدُه سبحانه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا. من يَهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، الداعي إلى دار القرار، صلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الأطهار، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد، فاتّقوا الله عباد الله، فإنّ التقوى رأسُ الأمر كلّه، وهي سبيلُ العزّة والرفعة في الدنيا والآخرة.
أيّها المسلمون:
إنّ العِزَّةَ مطلبٌ عظيم يتشوّق إليه كلُّ إنسان، ولا سيما المؤمن الذي يعلم أنّ العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين، كما قال تعالى:
﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
وليست العِزَّةُ مظهرًا من مظاهر الكِبْر أو الغرور، بل هي رفعةٌ في الدين، وقوةٌ في الإيمان، ونفسٌ تأبى الذلَّ والهوان، وروحٌ تتعلّق بالله وحده.
أسباب العِزَّة
أولًا: الإيمانُ الصادق بالله تعالى
فهو أصلُ كلِّ خير، وبه تُنال الرفعة. قال تعالى:
﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾.
فالعزّة من عند الله، ولا تُطلب إلا منه.
ثانيًا: طاعةُ الله ورسوله
فمن أطاع الله رفعه، ومن عصاه وضعه. قال سبحانه:
﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
ثالثًا: التمسّك بالقرآن والسُّنّة
فالقرآن كتاب العزّة، والسنة طريق الرفعة، ومن تركهما ذلّ. قال صلى الله عليه وسلم:
«تركتُ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي: كتابَ الله وسنّتي».
رابعًا: الأخلاقُ الكريمة
ومن أعظمها الصدقُ والأمانة، والصبر، والعفو، والتواضع؛ فهذه الأخلاق تُكسِب العبد هيبةً ومحبةً ورفعةً بين الناس.
خامسًا: الوحدةُ والاجتماع
فالمؤمنون بعزّتهم مجتمعون، وبهوانهم مختلفون. قال تعالى:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾.
سادسًا: تركُ المعاصي والذنوب
فإنّ الذنوب تُذهب العزة وتورث الذلة. قال الحسن البصري:
"هَانُوا عليه فعصَوه، ولو عزُّوا عليه لعصَمَهم".
سابعًا: الدعاء والتضرّع
فالعزّة تُطلب من الله، ومن سأل الله أعطاه، ومن استعان به أعانه، ومن توكّل عليه كفاه.
أيها المسلمون:
من أراد العزّة فليُقِم دينه، وليطهّر قلبه، وليلتزم بصلاته وعبادته، وليجعل هِمَّتَه لله، فإنّ الله يرفع من يعمل له، ويُذلُّ من يُعرض عنه.
ومن أعظم أسباب العزة اليوم أيضًا:
نشر العلم الشرعي والنافع.
القوة الاقتصادية والإنتاج والعمل.
التربية الإيمانية للأجيال.
نصرة المظلوم.
الصلاح والإصلاح بين الناس.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم
خطبة الجمعة
حماية الدين
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي أعزّ بالإسلام من اتّبعه، وأهان بالكفر من تركه، نحمده سبحانه على نعمة الهداية واليقين، ونشكره على ما أولانا من فضله المبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل هذا الدين محفوظًا بحفظه، منصورًا بعزّته، مرفوعًا بكلمته.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، مؤيَّدٌ بالوحي، منصورٌ من ربّه، هدى الله به القلوب بعد ضلال، وجمع به الأمة بعد شتات، صلى الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، أما بعد:
فيا عباد الله،اتقو الله
إنّ الإسلام دينٌ محفوظٌ بنصوص الوحي، ولكنه مبتلى بأعداء لا يهدأ لهم بال، يحاولون تشويه صورته والطعن في عقيدته، وبثَّ الفتن بين أبنائه، وصرف الناس عن هديه وتعاليمه. وإن من أعظم الواجبات في هذا الزمن أن نفقه هذه المحاولات، وأن نواجهها بالعلم والإيمان والثبات والوعي والبصيرة
أيها المسلمون،
لقد تكالبت أمم كثيرة عبر التاريخ لإضعاف الإسلام، تارةً بالحرب والسلاح، وتارةً بالغزو الفكري، وتارةً بالتشكيك في القرآن والسنة، وتارةً بإفساد الأخلاق، وتارةً بصدّ المسلمين عن دينهم وعن لغتهم وهويتهم.
فأعداء الإسلام يحاولون تشويه صورة الدين واتهام شريعته، ويعملون على إضعاف العقيدة في نفوس المسلمين، ويسعون إلى تفريق كلمة الأمة وزرع الفتن بين المجتمعات والعلماء والدعاة.
ومن أخطر محاولاتهم:
التأثير على قادة الأمة وعلمائها لإبعادهم عن منهج الحق.
نشر الفرق المنحرفة والأفكار الدخيلة لإفساد عقول الشباب.
إضعاف اللغة العربية لأنها وعاء الوحي.
نشر الشهوات والقيم المنحرفة لإسقاط الأسرة المسلمة.
صرف الناس عن القرآن والسنة إلى ثقافاتٍ دخيلة.
ولكن… مهما فعلوا، فإن الله تعالى تكفّل بحفظ هذا الدين، فقال:
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
عباد الله،
إن مسؤوليتنا اليوم أن نعي خطورة هذه المخططات، وأن نقف صفاً واحداً في وجه الفتن، وأن نربّي أبناءنا على العقيدة الصحيحة، وأن نتمسّك بالكتاب والسنة، وأن نأخذ بأسباب القوة والوعي
أيها المسلمون، إن مواجهة أعداء الإسلام تكون بالثبات على الإيمان، وبالعلم الشرعي الصحيح، وبالتربية الصالحة، وبالوحدة والاجتماع، لا بالفرقة والنزاع.
واجب المسلم اليوم:
1. التمسك بالقرآن والسنة وفهمهما على منهج أهل العلم.
2. تربية الأبناء على العقيدة والقيم الإسلامية.
3. دعم العلماء الربانيين والالتفاف حولهم.
4. الحفاظ على اللغة العربية لأنها مفتاح فهم الدين.
5. الحذر من الإعلام المضلل والشبهات المنتشرة.
6. الدعاء بأن يحفظ الله الأمة من الفتن.
خطبة الجمعة
عبد الله البلنوري
الحمد لله الذي اصطفى من عباده صفوةً، ورفع بالصدق أقوامًا، وجعل الوفاء لدينه عنوان الشرف والكرامة، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةَ صدقٍ ويقين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، إمام الصادقين، وقدوة المخلصين، صلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
أما بعد، عباد الله:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فإن تقوى الله خير زاد، وأوثق عُرى، وسبب للفلاح في الدنيا والآخرة
فإن من أعظم نعم الله على هذه الأمة أن هيّأ لها رجالًا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فكانوا بعد نبيهم أعلام هداية، ومصابيح دجى، ومن أولئك الرجال، بل خيرهم بعد نبيهم، أبو بكر الصديق رضي الله عنه؛ رجلٌ قام الدين بثباته، وحُفظت الأمة بحكمته، وعُرف بين الصحابة بصدق الإيمان، ونقاء السريرة، وعظيم التضحية
كان أبو بكر رضي الله عنه أسبق الناس إلى الإسلام من الرجال، فما تردد ولا تلعثم، بل صدّق وآمن، فاستحق بذلك لقب الصِّدِّيق، حين كذّب الناس رسولَ الله ﷺ فصدّقه، وحين شكّ الناس في الإسراء والمعراج قال كلمته الخالدة:
إن كان قال فقد صدق.
عباد الله،
لقد كان أبو بكر رضي الله عنه أقرب الناس إلى رسول الله ﷺ، صاحبه في الغار، ورفيقه في الهجرة، قال تعالى:
﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾.
وكان رضي الله عنه مثالًا في التضحية والبذل، أنفق ماله كله في سبيل الله، فقال له النبي ﷺ:
ما نفعني مالٌ ما نفعني مال أبي بكر.
وكان متواضعًا زاهدًا، رقيق القلب، شديدًا في الحق، قويًا في الدين، رحيمًا بالمؤمنين، ثابتًا عند الشدائد.
أيها المسلمون،
لما تُوفي رسول الله ﷺ اضطربت القلوب، وزلزلت النفوس، فثبت أبو بكر رضي الله عنه وثبّت الأمة، وقال كلمته العظيمة:
من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
ثم تولى الخلافة، فحفظ الدين، وقاتل المرتدين، وجمع الأمة، وقال قولته الخالدة:
والله لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه لرسول الله ﷺ لقاتلتهم عليه.
عباد الله، هكذا يكون الرجال، وهكذا يكون القادة، صدقًا وإخلاصًا، عدلًا وثباتًا، رحمةً وحزمًا.
فاتقوا الله، واقتدوا بأبي بكر في صدقه، وإيمانه، وثباته، وحبه لرسول الله ﷺ، فإن في سيرته نورًا وهداية.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
0 تعليقات