أما في اللغة: فهو إسقاط الولد بحيث لا يعيش.
وأما في الاصطلاح: فهو إسقاط المرأة جنينها بفعل منها أو من غيرها.
تاريخ الإجهاض ونشأته:
الإجهاض ثمرة من ثمرات الدعوة إلى الحد من تعداد السكان وزيادة النمو البشري وقد وجدت هذه الدعوة قديماً في أواخر القرن الثامن عشر، وكان أول من دعا إلى هذه الفكرة وهي فكرة الحد من تعداد السكان والنمو البشري هو القسيس النصراني الإنجليزي "مالثوس" وسبب قيام فكرته
زعمه بأن كثرة السكان تشكل خطراً على الموارد البشرية حيث إن السكان يتزايدون بطريقة هندسية متوالية: اثنان، أربع، ثمان، ستة عشر، اثنان وثلاثون،...إلخ، وأما بالنسبة لموارد الأرض فإنها تتزايد بطريقة حسابية: اثنان، ثلاث، أربع...إلخ.
زعمه بأن كثرة السكان تشكل خطراً على الموارد البشرية حيث إن السكان يتزايدون بطريقة هندسية متوالية: اثنان، أربع، ثمان، ستة عشر، اثنان وثلاثون،...إلخ، وأما بالنسبة لموارد الأرض فإنها تتزايد بطريقة حسابية: اثنان، ثلاث، أربع...إلخ.
وقد لاقت هذه الدعوة رواجا، فانتشرت هذه الدعوة في أمريكا، وكانت في أول انتشارها لقيت معارضة قوية من المجتمع والدولة ثم بعد ذلك في عام 1942م تكون في أمريكا "اتحاد تنظيم الوالدية" وهو يدعو لاستخدام موانع الحمل التي منها الإجهاض وذلك حدا للنمو البشري.
ثم أصبح هذا الاتحاد عضوا في منظمة الأمم المتحدة عام 1964م وصار لهذه المنظمة فروع كثيرة في كثير من بلدان العالم حتى البلاد الإسلامية.
موقف الإسلام والديانات الأخرى من الإجهاض:
الإجهاض في الديانات قبل الإسلام يعتبر محرما، ففي الديانة اليهودية يعتبر محرما ولا يجوز وعليه عقوبة، لكن هذه العقوبة غير مقدرة.
وكذلك أيضاً في الديانة النصرانية يعتبر الإجهاض محرما وعقوبته القتل ولهذا كان في بريطانيا إلى عام 1524م عقوبة الإجهاض هي الإعدام.
ثم خففت هذه العقوبة إلى السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة، ثم بعد ذلك خففت هذه العقوبة حتى أبيح الإجهاض في كثير من دول العالم كما ستأتي الإشارة إلى ذلك.
مثل ذلك كان في أمريكا، فقد كانت عقوبة الإجهاض هناك القتل والإعدام، ثم خفف إلى السجن المؤبد، ثم خفف إلى أن أصبح مباحاً.
ويعتبر الاتحاد السوفيتي أول من أباح الإجهاض وذلك عام 1920م، ثم منعه عام 1935م؛ بسبب كثرة وفيات الأمهات بسبب الإجهاض؛ فإن الإجهاض يعود ضرره إلى الأم المجهضة ويسبب لها ضرراً قد يصل إلى الوفاة.
ثم بعد ذلك تبعت الاتحاد السوفيتي اليابان فأباحت الإجهاض لمن معه خمسة من الولد ثم بعد ذلك خفف فأبيح الإجهاض في الثلاثة الأشهر الأول.
إحصائيات عن الإجهاض:
* وحسب تقرير منظمة الصحة العالمية فقد بلغ عدد الأجنة الذين أجهضوا حتى عام 1984م خمسين مليوناً، وبلغ عدد الأمهات اللاتي توفين بسبب الإجهاض ما بين سبعين ومئة ألف إلى مئتي ألف.
* وفي أمريكا بلغ عدد الأجنة الذين أجهضوا ما بين عام 1973م وعام 1983م أي خلال عشر سنين خمسة عشر مليون جنينا.
* وفي مدينة نيويورك أكثر من ثلاث مئة عيادة إجهاض بعد أن أبيح الإجهاض في أمريكا كما سبق.
ومن هذه الأعداد يتبين خطورة الإجهاض حيث إنه سبب لإهلاك الأنفس، ومما لا شك فيه أن الشرائع اتفقت على حفظ الأنفس فقد جاءت الشرائع بالمحافظة على الضروريات الخمس: الدين والنفس والعرض والعقل والمال، والإجهاض إخلال مصلحة من هذه المصالح الضرورية التي اتفقت الشرائع على المحافظة عليها.
وأيضاً موقف الشريعة الإسلامية من حيث الجملة هو تحريم الإجهاض وأنه لا يجوز لأنه؛
أولاً: جاءت الشريعة -كما أسلفنا- بحفظ الضروريات الخمس.
وثانيا: أنه يصادم مقصدا مهما من مقاصد النكاح؛ فإن من مقاصد النكاح تكثير النسل ولهذا امتن الله عز وجل على بني إسرائيل بأن كثرهم قال تعالى?وجعلناكم أكثر نفيراً?(1)، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بكثرة النكاح الذي من مقاصده كثرة النسل فقال ( (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)
قال تعالي : وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا( سورة الإسراء 31)
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ (سورة الأنعام151 ) قال الامام الرازي رحمه الله: قوله : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أولادكم مّنْ إملاق نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } فأوجب بعد رعاية حقوق الأبوين رعاية حقوق الأولاد وقوله : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أولادكم مّنْ إملاق } أي من خوف الفقر وقد صرح بذكر الخوف في قوله : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إملاق } [ الإسراء : 31 ] والمراد منه النهي عن الوأد ، إذ كانوا يدفنون البنات أحياء ، بعضهم للغيرة ، وبعضهم خوف الفقر ، وهو السبب الغالب ، فبين تعالى فساد هذه العلة بقوله : { نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } ، لأنه تعالى إذا كان متكفلاً برزق الوالد والولد ، فكما وجب على الوالدين تبقية النفس والاتكال في رزقها على الله ، فكذلك القول في حال الولد(راز ي 13/245 )
الوجه الثالث : أن امتناع الأولاد من البر بالآباء يوجب خراب العالم ، لأن الآباء إذا علموا ذلك قلت رغبتهم في تربية الأولاد ، فيلزم خراب العالم من الوجه الذي قررناه ، فثبت أن عمارة العالم إنما تحصل إذا حصلت المبرة بين الآباء والأولاد من الجانبين .
قال الامام الرازي رحمه الله: الوجه الرابع : أن قتل الأولاد إن كان لخوف الفقر فهو سوء ظن بالله ، وإن كان لأجل الغيرة على البنات فهو سعي في تخريب العالم ، فالأول ضد التعظيم لأمر الله تعالى ، والثاني : ضد الشفقة على خلق الله تعالى وكلاهما مذموم ، والله أعلم .
المسألة الثانية : العرب كانوا يقتلون البنات لعجز البنات عن الكسب ، وقدرة البنين عليه بسبب إقدامهم على النهب والغارة ، وأيضاً كانوا يخافون أن فقرها ينفر كفأها عن الرغبة فيها فيحتاجون إلى إنكاحها من غير الأكفاء ، وفي ذلك عار شديد فقال تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ } (راز ي 20/197)
قال الامام القرطبي :وقد يستدل بهذا من يمنع العزل، لأن الوأد يرفع الموجود والنسل، والعزل منع أصل النسل فتشابها، إلا أن قتل النفس أعظم وزرا وأقبح فعلا، ولذلك قال بعض علمائنا: إنه يفهم من قوله عليه السلام في العزل: (ذلك الوأد الخفي) الكراهة لا التحريم وقال به جماعة من الصحابة وغيرهم.وقال بإباحته أيضا جماعة من الصحابة والتابعين والفقهاء، لقوله عليه السلام: (لا عليكم ألا تفعلوا فإنما هو القدر) أي ليس عليكم جناح في ألا تفعلوا.وقد فهم منه الحسن ومحمد بن المثنى النهي والزجر عن العزل . والتأويل الأول أولى، لقوله عليه السلام: (إذا أراد الله خلق شئ لم يمنعه شئ)قال مالك والشافعي: لا يجوز العزل عن الحرة إلا (5) بإذنها.وكأنهم رأوا الإنزال من تمام لذاتها، ومن حقها في الولد (تفسير القرطبي 9/132 (
الاجهاض في الغة يطلق علي صورتين .إلقاء الحمل ناقص الخلق أو ناقص المدة سواء من المرأة او غيرها وكثيراما يعبر الفقهاء عن الاجهاض بمرادفاته كالإسقاط والاقاء والطرح والإملاص والاطلاق اللغوي يصدق سواء كان الالقاء بفعل فاعل ام تلقائي . من الفقهاء من فرق بين حكم الاجهاض بعد نفخ الروح وبين حكمه قبل ذلك وبين التكوين في الرحم والاستقرار
حكم الاجهاض بعد نفخ الروح . لايعلم خلاف بين الفقهاء في التحريم بعد نفخ الروح
المراجع :(الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2/267 .البحرالرائق 8/233 .مغني 7/85. )الموسوعة الفقهية 2/56-57 )
اتفق العلماء علي تحريم الاجهاض دون عذر بعد الشهر الرابع اي بعد 120 يوما من بدء الحمل ويعد ذلك جريمة موجبة للدية لانه ازهاق نفس وقتل انسان .(الفقه الاسلامي وأدلته3/554 )
قال في النهاية: وَالرَّاجِحُ تَحْرِيمُهُ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ مُطْلَقًا وَجَوَازُهُ قَبْلَهُ (8/442 )
حكم الاجهاض قبل نفخ الروح.مذهب الشافعية يباح الاجهاض مع الكراهة اذا تم في فترة الأربعين يوما من بدء الحمل بشرط كونه برضي الزوجين وان لايترتب علي ذلك ضرر للحامل وبعد فترة الأربعين يحرم الاسقاط مطلقا ورجح الرملي جواز الاجهاض قبل نفخ الروح والتحريم بعد نفخ الروح مطلقا وحرم الغزالي الاجهاض مطلقا ((الفقه الاسلامي وأدلته3/557 )
قال ابن حجرالهيتمي رحمه الله: اختلفوا في التسبب لإسقاط ما لم يصل لحد نفخ الروح فيه وهو مائة وعشرون يوما والذي يتجه وفاقا لابن العماد وغيره الحرمة ولا يشكل عليه جواز العزل لوضوح الفرق بينهما بأن المني حال نزوله محض جماد لم يتهيأ للحياة بوجه بخلافه بعد استقراره في الرحم وأخذه في مبادئ التخلق ويعرف ذلك بالأمارات ، وفي حديث مسلم { أنه يكون بعد اثنتين وأربعين ليلة } أي ابتداؤه كما مر في الرجعة ويحرم استعمال ما يقطع الحبل من أصله كما صرح به كثيرون وهو ظاهر (تحفة 8/241 حاشية ع ش .7/.134 بجيرمي 4/40 )
وقوله وأخذه في مبادي التخلق قضيته أنه لا يحرم قبل ذلك وعموم كلامه الاول يخالفه وقوله من أصله أي أما ما يبطئ الحمل مدة ولا يقطعه من أصله فلا يحرم كما هو ظاهر ثم الظاهر أنه إن كان لعذر كتربية ولد لم يكره أيضا والاكره اه ع ش (شرواني 8/241 )
وقال في التحفة أيضا : ولا يكسرها بنحو كافور فيكره بل يحرم على الرجل والمرأة إن أدى إلى اليأس من النسب وقول جمع الخبر يدل على حل قطع العاجز الباء بالأدوية مردود على أن الأدوية خطيرة وقد استعمل قوم الكافور فأورثهم عللا مزمنة ثم أرادوا الاحتيال لعود الباء بالأدوية الثمينة فلم تنفعهم واختلفوا في جواز التسبب إلى إلقاء النطفة بعد استقرارها في الرحم فقال أبو إسحاق المروزي يجوز إلقاء النطفة والعلقة ونقل ذلك عن أبي حنيفة وفي الإحياء في مبحث العزل ما يدل على تحريمه ، وهو الأوجه ؛ لأنها بعد الاستقرار آيلة إلى التخلق المهيأ لنفخ الروح ولا كذلك العزل(تحفة 7/186 )
قال الامام الغزالي رحمه الله في الاحياء: وليس هذا كالإجهاض والوأد لأن ذلك جناية على موجود حاصل وله أيضا مراتب وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة وإفساد ذلك جناية فإن صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشا ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حيا (2/47)
قال في الاعانة: أن العزل خلاف الاولى: وليس هذا كالاستجهاض والوأد، أي قتل الاطفال، لانه جناية على موجود حاصل، فأول مراتب الوجود وقع النطفة في الرحم فيختلط بماء المرأة فإفسادها جناية، فإن صارت علقة أو مضغة فالجناية أفحش، فإن نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشا. (4/125 )
قال في الشرواني: وكلام الاحياء يدل على التحريم مطلقا وهو الاوجه كما مر والفرق بينه وبين العزل واضح انتهت( 7/186)
اختلف أهل العلم في النطفة قبل تمام الأربعين على قولين : قيل لا يثبت لها حكم السقط والوأد ، وقيل لها حرمة ولا يباح إفسادها ولا التسبب في إخراجها بعد الاستقرار في الرحم ، بخلاف العزل فإنه قبل حصولها فيه ، قال الزركشي : وفي تعاليق بعض الفضلاء قال الكرابيسي : سألت أبا بكر بن أبي سعيد الفراتي عن رجل سقى جاريته شرابا لتسقط ولدها فقال : ما دامت نطفة أو علقة فواسع له ذلك إن شاء الله تعالى وقد يقال : أما حالة نفخ الروح فما بعده إلى الوضع فلا شك في التحريم ، وأما قبله فلا يقال إنه خلاف الأولى بل محتمل للتنزيه والتحريم ، ويقوى التحريم فيما قرب من زمن النفخ لأنه جريمه ، ثم إن تشكل في صورة آدمي وأدركته القوابل وجبت الغرة
نعم لو كانت النطفة من زنا فقد يتخيل الجواز .فلو تركت حتى نفخ فيها فلا شك في التحريم وقد تكلم الغزالي عليها في الإحياء بكلام متين غير أنه لم يصرح بالتحريم ا هـ
والراجح تحريمه بعد نفخ الروح مطلقا وجوازه قبله (نهاية 8/442-443 )
مذهب الحنفية
يباح الاسقاط بعد الحمل مالم يتخلق منه شيئ ولن يكون ذلك إلا بعد مأة وعشرين يوما لانه ليس بآدمي وهذا يقتضي انهم ارادوا بالتخليق نفخ الروح .وقيل عندهم ان ذلك بغير عذر فاذا اسقطت بغير عذر يلحقها اثم ومن الاعذار ان ينقطع لبنها بعد ظهور الحمل وليس لاب الصبي ما يستأجره الظئر ويخاف هلاكه . كما يفهم هذا من العبارة التالية
وهل يباح الإسقاط بعد الحبل ؟ يباح ما لم يتخلق شيء منه ثم في غير موضع ، قالوا : ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما ، وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح وإلا فهو غلط لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة (فتح القدير 2/495 )
مذهب المالكية
المعتمد انه يحرم عندهم اخراد المني المتكون في الرحم ولو قبل الاربعين يوما وقيل يكره اخراجه قبل الاربعين فإذا نفخت فيه الروح حرم اجماعا :قال في الشرح الكبير ( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ يُكْرَهُ إخْرَاجُهُ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ (مع حاشية الدسوقي 2/266 )
مذهب الحنابلة
هو كالحنفية المعتمد عندهم انه يجوز الاسقاط في فترة الأربعة الأشهر الأولي من بدء الحمل قبل نفخ الروح ويحرم قطعا بعده (الفقه الاسلامي 3/558. الفروع لشمس الدين المقدس 1/281 المغني 7/816 )
العزل لغة : التنحية ، يقال : عزله عن الأمر أو العمل أي : نحاه عنه ويقال : عزل عن المرأة واعتزلها : لم يرد ولدها.قال الجوهري العزل : عزل الرجل الماء عن جاريته إذا جامعها لئلا تحمل ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي . (الموسوعة الفقهية 30/80 )
قال الامام النووي في شرح مسلم : العزل هو أن يجامع فإذا قارب الإنزال نزع وأنزل خارج الفرج وهو مكروه عندنا في كل حال وكل امرأة سواء رضيت أم لا لأنه طريق إلى قطع النسل ، ولهذا جاء في الحديث الآخر تسميته ( الوأد الخفي ) لأنه قطع طريق الولادة كما يقتل المولود بالوأد .
وأما التحريم فقال أصحابنا : لا يحرم في مملوكته ولا في زوجته الأمة سواء رضيتا أم لا لأن عليه ضررا في مملوكته بمصيرها أم ولد وامتناع بيعها وعليه ضرر في زوجته الرقيقة بمصير ولده رقيقا تبعا لأمه وأما زوجته الحرة فإن أذنت فيه لم يحرم ، وإلا فوجهان أصحهما لا يحرم .
ثم هذه الأحاديث مع غيرها يجمع بينها بأن ما ورد في النهي محمول على كراهة التنزيه وما ورد في الإذن في ذلك محمول على أنه ليس بحرام وليس معناه نفي الكراهة . هذا مختصر ما يتعلق بالباب من الأحكام والجمع بين الأحاديث وللسلف خلاف كنحو ما ذكرناه من مذهبنا ومن حرمه بغير إذن الزوجة الحرة قال عليها ضرر في العزل فيشترط لجوازه إذنها .( 5/262)
3617 - وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وعلى بن حجر قالوا حدثنا إسماعيل بن جعفر أخبرنى ربيعة عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز أنه قال دخلت أنا وأبو صرمة على أبى سعيد الخدرى فسأله أبو صرمة فقال يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر العزل فقال نعم غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزوة بلمصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا العزبة ورغبنا فى الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا نفعل ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرنا لا نسأله. فسألنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال « لا عليكم أن لا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هى كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون ».( مسلم 5/262) بخاري 10/382)
5208 - حدثنا على بن عبد الله حدثنا سفيان قال عمرو أخبرنى عطاء سمع جابرا رضى الله عنه قال كنا نعزل والقرآن ينزل (بخاري ,مسلم ,ترمذي ,ابن ماجه ,نسائي)
عن أبي سعيد قال : ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وما ذلكم ؟ قالوا : الرجل تكون له المرأة ترضع له فيصيب منها ويكره أن تحمل منه ، والرجل تكون له الأمة فيصيب منها ويكره أن تحمل منه ، ففي هذه الرواية إشارة إلى أن سبب العزل شيئان أحدهما كراهة مجيء الولد من الأمة وهو إما أنفة من ذلك وإما لئلا يتعذر بيع الأمة إذا صارت أم ولد وإما لغير ذلك كما سأذكره بعده ، والثاني كراهة أن تحمل الموطوءة وهي ترضع فيضر ذلك بالولد المرضع.... وإنما أشار أن الأولى ترك ذلك ، لأن العزل إنما كان خشية حصول الولد فلا فائدة في ذلك ، لأن الله إن كان قدر خلق الولد لم يمنع العزل ذلك فقد يسبق الماء ولا يشعر العازل فيحصل العلوق ويلحقه الولد ولا راد لما قضى الله ، والفرار من حصول الولد يكون لأسباب : منها خشية علوق الزوجة الأمة لئلا يصير الولد رقيقا ، أو خشية دخول الضرر على الولد المرضع إذا كانت الموطوءة ترضعه ، أو فرارا من كثرة العيال إذا كان الرجل مقلا فيرغب عن قلة الولد لئلا يتضرر بتحصيل الكسب ، وكل ذلك لا يغني شيئا . وليس في جميع الصور التي يقع العزل بسببها ما يكون العزل فيه راجحا سوى الصورة المتقدمة (فتح الباري 10/384-385 )
العزل عن الحرة
اختلف الفقهاء فيها علي قولين القول الأول :الإباحة مطلقا أذنت ام لم تأذن إلا ان تركه أفضل وهو الراجح عند الشافعية .القول الثاني الإباحة بشرط إذنها فإن كان لغير حاجة يكره .وبه قالت الحنفية والمالكية إلا ان الحنفية استثنوا ما اذا فسد الزمان فأباحوه دون إذنها (الموسوعة الفقهية 30/81 )
ولاخلاف بين العلماء انه يجوز العزل عن الزوجة بشرط إذنها الا ان الشافعية والحنابلة قالوا بكراهة العزل (الفقه الإسلامي 3/554)
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني . وفي العزل أيضا إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها . وقد اختلف السلف في حكم العزل قال ابن عبد البر : لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها ، لأن الجماع من حقها ، ولها المطالبة به وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل . ووافقه في نقل هذا الإجماع ابن هبيرة ، وتعقب بأن المعروف عند الشافعية أن المرأة لا حق لها في الجماع أصلا ، ثم في خصوص هذه المسألة عند الشافعية خلاف مشهور في جواز العزل عن الحرة بغير إذنها ، قال الغزالي وغيره : يجوز ، وهو المصحح عند المتأخرين ، واحتج الجمهور لذلك بحديث عن عمر أخرجه أحمد وابن ماجه بلفظ " نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها " وفي إسناده ابن لهيعة ، والوجه الآخر للشافعية الجزم بالمنع إذا امتنعت ، وفيما إذا رضيت وجهان أصحهما الجواز ، وهذا كله في الحرة (فتح الباري 10/385 )
قال الامام النووي : العزل هو أن يجامع فإذا قارب الإنزال نزع وأنزل خارج الفرج وهو مكروه عندنا في كل حال وكل امرأة سواء رضيت أم لا لأنه طريق إلى قطع النسل ، ولهذا جاء في الحديث الآخر تسميته ( الوأد الخفي ) لأنه قطع طريق الولادة كما يقتل المولود بالوأد
وأما التحريم فقال أصحابنا : لا يحرم في مملوكته ولا في زوجته الأمة سواء رضيتا أم لا لأن عليه ضررا في مملوكته بمصيرها أم ولد وامتناع بيعها وعليه ضرر في زوجته الرقيقة بمصير ولده رقيقا تبعا لأمه وأما زوجته الحرة فإن أذنت فيه لم يحرم ، وإلا فوجهان أصحهما لا يحرم .ثم هذه الأحاديث مع غيرها يجمع بينها بأن ما ورد في النهي محمول على كراهة التنزيه وما ورد في الإذن في ذلك محمول على أنه ليس بحرام وليس معناه نفي الكراهة . هذا مختصر ما يتعلق بالباب من الأحكام (شرح مسلم 5/267 )
قال الامام الرملي : والعزل حذرا من الولد مكروه وإن أذنت فيه المعزول عنها حرة كانت أو أمة لأنه طريق إلى قطع النسل (نهاية 8/443 )
اختلفوا في التسبب لإسقاط ما لم يصل لحد نفخ الروح فيه وهو مائة وعشرون يوما والذي يتجه وفاقا لابن العماد وغيره الحرمة ولا يشكل عليه جواز العزل لوضوح الفرق بينهما بأن المني حال نزوله محض جماد لم يتهيأ للحياة بوجه بخلافه بعد استقراره في الرحم تحفة (8/341 )
قال الامام الغزالي رحمه الله : ومن الآداب أن لا يعزل بل لا يسرح إلا إلى محل الحرث وهو الرحم فما من نسمة قدر الله كونها إلا وهي كائنة // حديث ما من نسمة قدر الله كونها إلا وهي كائنة متفق عليه من حديث أبي سعيد //
هكذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن عزل فقد اختلف العلماء في إباحته وكراهته على أربع مذاهب فمن مبيح مطلقا بكل حال ومن محرم بكل حال ومن قائل يحل برضاها ولا يحل دون رضاها وكأن هذا القائل يحرم الإيذاء دون العزل ومن قائل يباح في المملوكة دون الحرة
والصحيح عندنا أن ذلك مباح واما الكراهية فإنها تطلق لنهي التحريم ولنهي التنزيه ولترك الفضيلة فهو مكروه بالمعنى الثالث أي فيه ترك فضيلة كما يقال يكره للقاعد في المسجد أن يقعد فارغا لا يشتغل بذكر أو صلاة ويكره للحاضر في مكة مقيما بها أن لا يحج كل سنة والمراد بهذه الكراهية ترك الأولى والفضيلة فقط
(احيا علوم الدين 2/67)
0 تعليقات