حقيقة مرض ايوب عليه السلام


 صفوة آراء العلماء في مرض ايوب عليه السلام

: القصة:

قال الله تعالى في سورة الأنبياء: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 83، 84].

وقال الله تعالى في سورة ص: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: 41 – 44].

: ليُعلم أن الله تعالى قد عصم الأنبياء الكرام من الكفر والكبائر وصغائر الخسة أما الصغائر التي لا خسة فيها ولا دناءة فيمكن وقوعها منهم ولكن ينبّهون فورًا للتوبة، وعصمهم الله كذلك من الأمراض المنفّرة أي التي تنفر منها طِباعُ الناس كالبرص والجنون والجُذام وخروج الدود من البدن إذ ليس من الحكمة إرسال من ابتُلي بمثل هذه الآفات المنفرة، وقد أرسلهم الله لدعوة الناس وليُقبل عليهم الناس فنزّههم عما يُنافي ذلك وجمَّلهم بأحسن الصفات. وقد سبق وتكلمنا عن عصمة الأنبياء وعما يجب اعتقاده في حقهم في مقالاتٍ سابقةٍ فلينظرها من شاء، ولكن أحببت في هذا المقال أن أتكلم في تبرئة نبي الله أيوب عليه السلام مما يُنسب إليه ولا يليق بمقامه الشريف مما هو موجودٌ في بطون بعض الكتب وعقول بعض الناس:

حاول أعداء الأمة المحمدية جاهدين إطفاء نور الحق الذي بزغ ببعثة سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم وتنوعت في ذلك أساليبهم وألاعيبهم فكانت الحملات العسكرية للقضاء على هذه الأمة تارةً، والحملات الهادفة إلى تشويش الأفكار بدسِّ الأباطيل في نفوس السُذَّج وإدخالها في بعض المصنفات أو تزييف كتبٍ ونسبتها إلى علماء مشهورين كما نُسب الكتاب المسمَّى ((معراج ابن عباس)) لإبن عباس والكتاب المسمى ((مولد العروس)) لإبن الجوزي وهما من ذلك براء، ولذلك كان الجدير بنا توخي الحذر الشديد تجنُبًا لأكل السم في الدسم وذلك أن السبيل الصحيح لتحصيل العلم هو التلقي من أفواه العلماء الثقات، فقد روى الطبراني في ((المعجم الكبير)) عن معاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أيها الناس إنما العلم بالتَّعلم والفقه بالتفقه)) الحديث. وذلك أن العالم الثقة يعرف الحق من الباطل فيُنبه الطالب ويُرشده إلى سلوك المحجة البيضاء ويوضح له زيف ما في بعض الكتب مما دُسَّ فيها. وقد ابتُليت أمتنا قديمًا وحديثًا بأناسٍ يُلفّقون أقاصيص ويزخرفون الكذب وينسبونه إلى من تُعظمهم الأمةُ من علماء مبجلين نُبرؤهم مما يُنسب إليهم ونرى ذلك من دسائس اليهود وأشباههم، بل قد رأينا في بعض الكتب التي طُبعت بإشرافٍ من أدعياء السلفية تزويرًا ففي المخطوط الأصلي شيءٌ وفي المطبوع شيءٌ آخر، ولذلك ينبغي الحرص فإن الدين غالٍ ولا يكفي الاعتماد على النظر في الكتب فحسب

: وقد رأينا في هذا المقال  التحذير من بعض ما في هذه الكتب فقد ذُكر في بعض المؤلفات والعياذ بالله أن أيوب عليه السلام مرض مرضًا خبيثًا فأنتن وخرجت منه روائح كريهة فرماه الناس على المزابل وجرت الديدان في جسمه، وزعم بعضهم أنه كان كلما سقطت منه دودةٌ ردها إلى جسمه، وهذا خلاف ما أجمعت عليه الأمة من عصمة الأنبياء من الأمراض المنفرة، وقد دلّت الأحاديث على أن الدود لا يقرب الأنبياء في قبورهم فبالأولى أن لا يقربهم في الحياة الدنيا، فقد جاء في مسند البزار عن أنسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الأنبياء أحياءٌ في قبورهم يصلون)) وروى النسائي وأحمد وغيرهما عن أوس بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عزَّ وجل قد حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)).

: وحيثُ عُلم هذا فنقول: خلاصة الكلام أن أيوب عليه السلام نبي كريم أرسله الله بالإسلام كسائر الأنبياء وأنعم عليه بنعمٍ كثيرة، قال الطبري في ((جامع البيان)): ((وكان الله قد اصطفاه ونبّأه.. وبسط عليه من الدنيا فوسَّع عليه في الرزق، وكانت له البَثَنِيَّةُ من أرض الشام أعلاها وأسفلها وسهلها وجبلها وكان له فيها من أصناف المال كله)) ثم قال: ((وكان برًّا تقيًا رحيمًا بالمساكين يُطعم المساكين ويحمل الأرامل ويكفل الأيتام ويكرم الضيف)). والبَثَنيَّة من نواحي دمشق ذكرها ياقوت في ((معجمه)) وقال: ((قريةٌ بين دمشق وأذرعات وكان أيوب النبي عليه السلام منها).

وبعد أن عاش أيوب عليه السلام مدةً في تلك النعم الوفيرة ابتلاه الله ببلاء شديدٍ فذهب ماله ومات أولاده، قال القرطبي في ((تفسيره)) قال ابن مسعود: ))مات أولاده وهم سبعةٌ من الذكور وسبعةٌ من الإناث(( ومرض فطال مرضه جدًا ولكنه لم يكن مرضًا مُنفِّرًا كما يظن البعض، قال الرازي في ))تفسيره((: ))لأن الأمراض المنفِّرة من القَبول غير جائزة على الأنبياء عليهم السلام((. وقال الشيخ محمد ميَّارة المالكي في ))الدر الثمين(( عند ذكر ما يجب للأنبياء عليهم السلام: ))والسلامة من كل ما يُنفِّر مما يوجب ثلمًا (نقصًا) في النفس والخَلق والخُلُق كالفظاظة والعيوب المنفِّرة كالبرص والجذام والأُدرة (مرضٌ تنتفخ منه الخصيتان) لأنهم على غاية الكمال في خَلْقِهم وخُلُقهم

: وأما ما يروى والعياذ بالله من أن الشيطان تسلَّط على أيوب عليه السلام وأنه أتاه وهو ساجد فنفخ في منخره فنبتت به ثآليل مثل أليات الغنم ووقعت الحَكَّة في جسده فحكَّ حتى سقطت أظفاره وسقط لحمه، فهذا ضلالٌ وفسادٌ مبين. فإنه لا سلطان للشيطان على الأنبياء كما دلَّ على ذلك قوله تعالى في سورة الحجر:((إن عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ إلا من اتبعك من الغاوين)).

وإذا ما قال قائل: إذًا ما معنى قول الله تعالى:((واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسَّني الشيطان بنُصبٍ وعذاب)) سورة ص، فإننا نُحيلهُ إلى ما جاء في كتاب ((الشفا)) للقاضي عياض حيث قال ما نصه عند شرحه على هذه الآية: ((وقال أبو محمدٍ مكي في قصة أيوب: وقوله  ((أني مسني الشيطان بنُصب وعذاب)) إنه لا يجوز لأحدٍ أن يتأول أن الشيطان هو الذي أمرضه وألقى الضُّر في بدنه.

فالحذر الحذر مما في كثيرٍ من الكتب وما يجري على ألسنة العوام فلقد قيل:

ما كلُّ من مسك اليراع بكاتبٍ                 ولا كلُّ من هزَّ الحسام بضارب

: وقد توسع بعض المفسرين في هذه القصة، فساق فيها روايات لا يوجد من بينها رواية صحيحة ثابتة.

قال القاضي أبو بكر بن العربي في تفسيره المسمَّى: “قانون التأويل”: ولم يصح عن أيوب في أمره إلا ما أخبر الله عنه في كتابه في الآيتين: (آية الأنبياء، وآية ص)، وأما النبي – صلى الله عليه وسلم -، فلم يصح عنه أنه ذكره بحرف واحد إلا قوله: “بينما أيوب يغتسل، إذ خرَّ عليه رِجْلٌ من جراد من ذهب”.

{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42]:الركض بالرجل: تحريكها، والمغتسل: الماء يغتسل به، والشراب معروف، ومعنى الآية على ما يقتضيه وضع مفرداتها اللغوية: أن الله تعالى أمر أيوب – عليه السلام – بتحريك رجله، وقولُه بعد الأمر بتحريك الرجل: ﴿هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ يشعر بأن هذا المغتسل البارد والشراب، وجد بتحريك الرجل، وورود هذه الآية عقب إخبار الله بدعاء أيوب أن يعافيه من المرض، أو يكفَّ أذى الشيطان عنه، يدلُّ على أن لهذا الركض صلة بحال استجابة دعائه. وكذلك يقول المفسرون: ركض برجله؛ أي: حرّكها دافعاً بها الأرض، فنبع بالركض ماء أُمر بالاغتسال به، والشرب منه، فكان ذلك الدواء القاطع لما ألمَّ به من المرض، وفي السلامة من المرض انقطاعُ وسوسة الشيطان

: قال الألوسي في تفسير آية ص: “ولعلك تختار القول بحفظهم – أي: الأنبياء – مما تعافه النفوس، ويؤدي إلى الاستقذار والنفرة مطلقاً، وحينئذ فلا بد من القول بأن ما ابتلي به أيوب – عليه السلام – لم يصل إلى حد الاستقذار والنفرة؛ كما يشعر به ما روي عن قتادة، ونقله القصاص في كتبهم”.

وكذلك يقول بعض علماء الكلام؛ كالباجوري في “حواشي الجوهرة”: ما كان بأيوب من البلاء كان بين الجلد والعظم، فلم يكن منفراً، وما اشتهر في القصة من الحكايات المنفرة فهي باطلة حمل المفسرون الضرَّ في آية الأنبياء على المرض، والضرُّ يستعمل في المرض على وجه الحقيقة، ولم يرد في وصف هذا الضر الذي مسَّ أيوب – عليه السلام – آية، أو حديث صحيح، فيحمل على مرض لا يكسب الجسمَ قبحاً، ولا يُحدث في نفس من يشاهده نفُوراً، كما أنه لم يرد في مقدار مدته آية، أو حديث صحيح، فتحتمل أن يكون أياماً، أو أشهراً، أو سنين، غير أن المرض الذي يمدح الله رسولاً من رسله على الصبر عليه شأنه أن يكون في ألمه شدة.

أما قوله تعالى في سورة ص: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ [ص: 41]:

فقد حمل كثير من المفسرين النصب والعذاب على معنى الضر الوارد في آية الأنبياء، *، وحملها آخرون على تعب القلب وألمه مما يوسوس به الشيطان من تعظيم أمر المرض؛ ليوقعه في الجزع، أو يوسوس به إلى بعض قومه من أن الله لا يبتلي الأنبياء بمثل ما ابتلاه به من الضر، ثم سأل أيوبُ الله تعالى أن يكفيه شر هذه الوسوسة، كما سأله كشفَ الضر عنه من أصله.

والـمـحـقـقـون من  العلماء  على ان نسبة هذا الى المعصوم (صلى الله عليه واله وسلم ) اما من عمل بعض الوضاعين الذين يـركـبـون الاسـانـيـد للمتون ، او من غلط بعض الرواة ، وان ذلك من اسرائيليات بني اسرائيل وافـتـراءاتهم على الأنبياء . على ان صحة السند في مصطلحهم لا تنافي ان اصله من الاسرائيليات ، وابن حجر على مكانته في الحديث ربما يوافق على تصحيح ما يخالف الادلة العقلية والنقلية ، كما فعل في قصة الغرانيق ، وهاروت وماروت ، وكل ما روي موقوفاً او مرفوعاً لا يخرج عما ذكره وهب بن منبه ، في قصة أيوب   ، التي أشرنا اليها آنفاً ، وما روي عن ابن اسحاق ايضاً ، فهو مما أخذ عن وهب ، وغيره

قال القرطبي (ت 671 هـ) في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: قال ابن العربي القاضي أبو بكر رضي الله عنه: ولم يصح عن أيوب في أمره إلا ما أخبرنا الله عنه في كتابه في آيتين: الأولى قوله تعالى: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ ﴾[الأنبياء: 83] والثانية في «ص» ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴾. وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصح عنه أنه ذكره بحرف واحد إلا قوله: « بينا أيوب يغتسل إذ خرّ عليه رِجل من جراد من ذهب » الحديث. وإذ لم يصح عنه فيه قرآن ولا سنة إلا ما ذكرناه، فمن الذي يوصل السامع إلى أيوب خبره، أم على أيّ لسان سمعه ؟ والإسرائيليات مرفوضة عند العلماء على البتات ؛ فأعرض عن سطورها بصرك، وأصمم عن سماعها أذنيك، فإنها لا تعطي فكرك إلا خيالاً، ولا تزيد فؤادك إلا خبالا. وفي الصحيح واللفظ للبخاري أن ابن عباس قال: يا معشر المسلمين ! تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيكم أحدث الأخبار بالله، تقرؤونه مَحْضاً لم يُشَب، وقد حدّثكم أن أهل الكتاب قد بدّلوا من كتب الله وغيروا وكتبوا بأيديهم الكتب ؛ فقالوا: ﴿ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ﴾ [البقرة: 79

: قال الألوسي (ت 1270 هـ) في تفسيره روح المعاني: وَعظَمُ بَلائه أي أيوبَ عليه السلامُ ممّا شاعَ وذاعَ ولَم يختلف فيه اثنان... قال الطَبرسي (ت 548 هـ) : قال أهل التحقيق إنه لا يجوز أن يكون بصفةٍ يَستقذرُه الناسُ عليها لأن فِي ذلك تَنْيفيرًا، فأمّا الفقرُ والمرَضُ (الذي لا يُنفِّرُ) وذهابُ الأَهل فيجوز أن يَمتحِنَهُ اللهُ تعالَى بذلك

وفِي هداية المريد للقّانِّ (ت 1024 هـ) أنه « يجوز على الأنبياء عليهم السلام كل عرض بشري ليس محرّمًا ولا مكروها ولا مباحا مزريا ولا مُزمِنًا ولا مِما تعافه الأنفس ولا مِما يؤدي إلَى النُفْرة »، ثم قال بعد وَرَقتيْن: « واحترزنا بقولنا ولا مُزمِنًا ولا مِما تعافه الأنفس عما كان كذلك كالإقعاد والبرص والجُذام والعمى والجنون » (أي أن ينبّأ وهو أعمى لا العمى الطارئ لمدة كما حصل ليعقوب)فلا بد من القول بأن ما ابتُلِي به أيوب عليه السلام لم يَصِل إلى حَدِّ الاستقذار والنُفْرَة كما يُشعِر به ما روي عن قتادةَ ونَقَلَهُ القُصّاصُ في كُتُبِهم. انتهى كلام الألوسي[2:17: والـمـحـقـقـون من  العلماء  على ان نسبة هذا الى المعصوم (صلى الله عليه واله وسلم ) اما من

إرسال تعليق

0 تعليقات