فقه الاقلية في الميزان

 فقه الأقليات بين الصحة والفساد                                

محمد رميز .بي  فتانبي

(جامعة مركز طالب كلية الشريعة والقانون)



بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى كل من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد :

أيها الأساتذة الأفاضل وطلبة العلم الكرام ..

ومن دواعى سرورى أن اتيح لي هذه الفرصة الطيبة لكي أقوم بتقديم هذه الورقة المتواضعة حول الموضوع "فقه الأقليات بين الصحة والفساد"  في هذه الورشة الفقهية المبرقشة

وأريد أن أبث الى مسامعكم بعض الملاحظات في هذا الموضوع 

كما انتم تعلمون ان الشريعة الإسلامية كاملة تامة،شاملة عامة، صالحة لكل زمان ومكان وانسان، قادرة على الاستجابة لسائر متطلبات الحياة، وارضاء المؤمنين بها المدركين لمقاصدها وغاياتها في الدنيا وفى الآخرة.

إن أمتنا الإسلامية تعيش اليوم في جميع أنحاء العالم  من المشرق إلى المغرب فى البلاد الإسلامية وغير الإسلامية ولا يخفي على احد منا أن هناك أقليات مسلمة نشأت على الإسلام أو دخلت فيه تعيش حالات مختلفة لا ينطبق عليها أحكام الشريعة الإسلامية كما فى البلاد الإسلامية لعدم وجود الظروف التي تتمكن لهم أولكون الأكثرية في بلدهم من مخالفيهم  بالإضافة إلى كون هؤلاء المسلمين خاضعين لقوانين وأحكام دولتهم.

ومن هنا بدأت مناقشات حول فقه الأقليات في القرن الماضي ونتيجة لتلك نشأ مصطلح فقه الأقليات في القرن الخامس عشر الهجري مع قيام الهيئات الإسلامية التي تهتم بأوضاع الجاليات المسلمة والمجتمعات المسلمة في بلاد الغرب ومن جملة هذه الهيئات "رابطة العالم الإسلامي" حيث استعملت كلمة الأقلية وهي ترجمة لكلمة minoritee 

مع أن مصطلح  فقه الاقليات مصطلح حديث لم يكن معروفاً في الماضي عند العلماء  ولا نجد ذلك في   عبارات الفقهاء القدامى ولا في الكتب التراثية التقليدية ..

أيها الإخوة...

أولا نبدأ : بتعريف فقه الأقليات طِبقًا لكلام من قاله من العلماء المعاصرين .

نعرف أن الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من الأدلة التفصيلية

والأقليات فهم مجموعات أو فئات من رعايا دولة تنتمي من حيث العِرق أو اللغة أو الدين إلى غير ما تنتهي إليه الأقلية

أما الأقليات المسلمة تنشأ لسبب من الأسباب :

السبب الأول:- اعتناق الإسلام  يعني 

فقد تنشأ الأقليات المسلمة في بلد غير مسلم لاعتناق بعض سكانه القليل بالإسلام

الثاني:-هجرة بعض المسلمين إلى أرض غير الإسلامية لسبب من الأسباب إما فرارا لدينهم كهجرة بعض الصحابة رضوان الله عليهم إلى الحبشة أو للتجارة أو للدراسة أو للدعوة في سبيل الله أو الأسري بغير حق

الثالث: احتلال أرض المسلمين يعني اذا احتلت دولة غير الإسلامية أرض الإسلامية فيطرُد أهل الأرض الأصليين

 فما هو فقه الأقليات ؟

فقه الأقليات كمصطلح : هو الأحكام الفقهية المتعلقة بالمسلم الذي يعيش خارج بلاد الإسلام كما ذكره الشيخ عبدالله بن بيه 

يتأكد القائلون بفقه الأقليات:-  

ان إضافة مصطلح(الفقه )إلى مصطلح (الأقليات) لا تعني انشاء فقه خارج الفقه الإسلامي وأدلته المعروفة وإنما تعني أن الأقليات المسلمة لها أحكام خاصة بها نظراً لظروف الضروريات والحاجيات  ومرجعها الكتاب والسنة وما يُنبني عليهما من الأدلة كالإجماع والقياس والاستحسان  والمصالح المرسلة وسد الذرائع والعرف والاستصحاب وغيرها من الأدلة التي اعتمدها الائمة في أقوالهم وآرائهم العديدة والمتنوعة فقضايا الأقليات قديمة بالجنس حديثة بالنوع.

وثانياً :- ما هي مقاصد وقواعد فقه الأقليات؟ 

إن لفقه الأقليات مقاصد وقواعد عند قائليه وهي كما ذكره الشيخ عبد الله بن بيه :- 

المقصد الأول : 

مقصد عام وهو المحافظة على الحياة الدينية للأقليات المسلمة على مستوى الفرد والجماعة 

الثاني:- التطلع إلى نشر دعوة الإسلام في صفوف الأكثرية 

مع يستتبع ذالك من تمكين تدريجي للإسلام في الأرض

الثالث:-التاصيل لفقه العلاقة مع الغير في الواقع الحضاري والعالمي وهو أمر لا يختص بالاقلية لتداخل الأوضاع العالمية لإيجاد حالة من الثقة المتبادلة والقبول 

الرابع:- التاصيل لفقه الجماعة في حياة الأقلية بمعنى الانتقال من الحالة الفردية إلى الحالة الجماعية 

أما القواعد التي يقوم عليها فقه الأقليات:- 

القاعدة الأولي:- كليات الشريعة القاضية بالتيسير ورفع الحرج وتنزيل الحاجة منزلة الضرورة واعتبار عموم البلوي في العبادات والمعاملات وتغير الأحكام بتغير المكان والزمان ودرء المفاسد وارتكاب أخف الضررين وأضعف الشرين مما يسميه البعض فقه الموازنات والمصالح المعتبرة والمرسلة دون الملغاة.

والقاعدة الثانية:- يرجع فقه الأقليات إلى أصل خاص ببعض العلماء يعتبر حالة المسلمين في أرض غير المسلمين سبباً لسقوط بعض الأحكام الشرعية مما عرف بمسألة الدار التي تعبر عنها بحكم المكان وهو منقول عن عمرو بن العاص من الصحابة وعن أئمة كالنخعي والثوري وأبي حنيفة ومحمد ورواية عن أحمد وعبد الملك بن حبيب من المالكية.

ويقول الشيخ بن بيه :

وأساس التاصيل لهذا الفقه هو أن أوضاع الأقلية المسلمة في ديار غير المسلمين هي أوضاع ضرورة بالمعني العام للضرورة ،والذي يشمل الحاجة والضرورة بالمعني الخاص فتحتاج إلى فقه خاص 

أيها الحضار الكرام..

أضيف إلى ما ذكرت مثالا لمسألة من مسائل فقه الأقليات :- 

 حكم تهنئة غير المسلمين مثلاً وهو أمر مختلف فيه بين العلماء وفي مذهب الإمام أحمد ثلاث روايات ؛ بالمنع والكراهة والجواز وهذه الرواية الأخيرة يختارها القائلون بفقه الأقليات لما في ذلك من المصلحة فتجوز تهنئتهم وتعزيتهم وعيادة مرضاهم ونص على هذه الروايات في هذه الحالات كلها المرداوي في كتابه 

الإنصاف ❕

أيها الأحباء....

أما ما يقول بعض العلماء عن هذا :

إن هذه الأحكام الخاصة للمسلمين الذين يتلبسون بالضرورة  ليس وليدة اليوم بل هو موجود في الفقه الإسلامي سواء كان دار إسلام أو حرب المسلمون أقلية كانوا أم أكثرية وهذا ما عبر به قواعد الفقه الكلية .

وإذا امعنّا النظر إلى مصطلح فقه الأقليات ومقاصده وقواعده عند قائليه نجد أن منهجه الحالي ليس بسديد غبار عليه..وقد ورد على تأصيل فقه الأقليات عدد من الإنتقاد والردودُعلى  مقاصده وقواعده من العلماء المعاصرين يستفسرون  القائلين به كالاساتذة القرضاوي وبن بيه والنجار وغيرهم  مشافهة وكتابة وهم كانوا صما ويحذرونهم  من تحريف الفقه الإسلامي وأصوله المستنبطة والله يهدي سواء السبيل ...

ومما هو جدير بالتنويه والإشارة افتاء بعض بجواز التعامل بالربا في ديار غير المسلمين اعتمادا على قول الإمام أبي حنيفة حيث قال أبو حنيفة: «لو أن مسلما دخل أرض الحرب بأمان فباعهم الدرهم بالدرهمين لم يكن بذلك بأس، لأن أحكام المسلمين لا تجري عليهم، فبأي وجه أخذ أموالهم برضا منهم فهو جائز». واتي به أبو يوسف في كتابه "الرد على سير الأوزاعي...

لكن ذهب الجمهور إلي أنه لا فرق في تحريم الربا بين دار الحرب ودار الإسلام فما كان حراماً في دار الإسلام كان حراماً في دار الحرب سواء جري بين مسلمين أو مسلم وحربي وسواء دخلها بأمان أم بغيره 

علاوة على ذلك..عند الإمام أبي حنيفة رحمه الله ومن وافقه شروط لجوازه منها أن يكون المسلم هو الآخذ للربا لا المعطي ..

باختصار أقول كما قال الأستاذ الدكتور عبد الله الثقافي في مذكرته 

اذا نظرنا في أدلة كل واحد من الفريقين فيتضح لنا قوة قول الجمهور لوضوح ما استدلوا به من الأدلة من جانبي النقل والنظر أما أدلة الاحناف فما يتعلق منها بالنظر إنما هو حديث واحد " لا ربا بين  مسلم وحربي وفيه كلام كثير فهو 

اولا : هذا حديث مرسل ومعلوم ما عند الفقهاء من الخلاف حول الإحتجاج  بالمرسل . 

وثانيا : أقوال المحدثين فيه فقد قال عنه جمال الدين الزيلعي: غريب وقال الإمام الشافعي : لا يصح 

وثالثاً : قول أبي يوسف "وأظنه قال وأهل الإسلام" فهذا يفيد منه الشك في لفظ الحديث .

ورابعا : أنه لو فرضنا صحته فلا يفيد الجواز بل يحتمل التحريم أيضا أي "لا ربا جائز " على غرار كثير من نصوص الشرع وهذا قد ذكره الفقهاء قال الإمام الماوردي : فلو سلم لهم لكان قوله "لا ربا" يحتمل أن يكون نفيا لتحريم الربا ويحتمل أن يكون نفيا لجواز الربا ،فلم يكن لهم حمله علي نفي التحريم الا ولنا حمله علي نفي الجواز ثم حملنا أولي لمعاضدة العموم له .

أما استدلالهم بأن مال الحربي غير معصوم ففيه تناقض بين فكيف يكون أمان الحربي في دار الحرب عاصما منه مال المسلم ولا يكون أمان المسلم في دار الحرب عاصما مال الحربي من المسلم وذلك لأن عصمة المال شرعا كما تتحقق بالإسلام فإنها تتحقق بالعهد والأمان الذي بينه وبينهم عهد معتبر شرعا 

ومن ذالك كله يتضح لنا بجلاءوقوة ورجحان ماذهب إليه الجمهور وهو أن الربا في دار الحرب يبن المسلم والحربي حرام لايجوز  لمسلم التعامل به ...

أيها الحفل الكريم 

أخيراً  نقول 

إن الشريعة الإسلامية كاملة شاملة تصلح لكل زمان ومكان وانسان حيث اعتبرت بالضرورات الإنسانية اعتبارا تاما حتى صرحت بأن الضرورات تبيح المحظورات وتقدر بقدرها...

وعلى هذا من تلبس بضرورة فيباح له فعلها قدر ضرورته ولا حاجة إلى فتوى مفت أو البحث عن مدرك أو تعليل ويترك الأمر في تقدير الضرورات  إلى نفس المكلف  وأمانته  سواء أكان من الأقلية ام من الأكثرية  ولمثل هذه الحالة الطارئة لا يحتاج إلى تكييف نوع من الفقه الإسلامي كفقه الاقليات ولا يجوز لما كان الأمر بديهيا ...

وان كان المراد بفقه الأقليات احداث مذهب جديد  بأصول وقواعد فلا نحتاج إلى ذلك لأن هذه الأمة الإسلامية  اغتنت بالمذاهب الأربعة عن هذا المذهب الجديد المرشح بالقيل والقال يتتبع الرخص ويتبع الأقوال الضعيفة ولأن لنا ثروة فقهية خلفوها لنا اىٔمتنا الأعلام رحمهم الله رحمة واسعة بجهودهم العظيمة 

أقول قولي هذا

وأسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما جهلنا وأن يهدينا سواء السبيل

إرسال تعليق

0 تعليقات