كيفية الصوم والصلاة في البلاد التي يستمر فيها الليل أو النهار


 كيفية تعيين أوقات الصيام والصلاة، وكذلك تعيين أول رمضان وأول أيام عيد الفطر المبارك، لمن كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع الفجر وغروب الشمس، إلا أن نهارها يطول جداً في الصيف ويقصر في الشتاء.


ويجب على من يسكن في البلاد المذكورة أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعًا، كما يفهم من قوله تعالى: "أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودًا" (الإسراء/78)، وقوله تعالى: "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا" (النساء/103).


وقد ذكر الفقهاء في كتبهم كيفية صلاتهم وصومهم، كما كان عادتهم في البحث الشامل بحيث يمس جميع جوانب الموضوع.


خلاصة بحثهم: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفًا ولا تطلع فيها الشمس شتاءً، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً، وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض، لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه عن المسيح الدجال، فقيل له: ما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يومًا، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم." فقيل: يا رسول الله، اليوم الذي كسنة، أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا، قدروا له."


فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يوماً واحدًا يكفي فيه خمس صلوات، بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتبارًا بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم.


قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله في "تحفة المحتاج":

"لو عدم وقت العشاء كأن طلع الفجر كما غربت الشمس، وجب قضاؤها على الأوجه من اختلاف فيه بين المتأخرين." [ص: 425]

ولو لم تغب إلا بقدر ما بين العشاءين، فأطلق الشيخ أبو حامد أنه يعتبر حالهم بأقرب بلد يليهم. وفرع عليه الزركشي وابن العماد أنهم يقدرون في الصوم ليلهم بأقرب بلد إليهم، ثم يمسكون إلى الغروب بأقرب بلد إليهم.

قوله على الأوجه) لم يبين حكم صوم رمضان، هل يجب بمجرد طلوع الفجر عندهم، أو يعتبر قدر طلوعه بأقرب البلاد إليهم، ثم رأيت قول الشارح الآتي، وفرع عليه الزركشي وابن العماد الخ.

ويؤخذ منه حكم ما نحن فيه سم على حج، أي وهو أنهم يقدرون بالصوم ليلهم بأقرب بلد إليهم ع ش (شرواني: 1/425)

(شرواني: 1/425)

قال ابن حجر رحمه الله تعالى:

قال ابن حجر رحمه الله تعالى: إن من لا شفق لهم، يعتبر بأقرب بلد إليهم، ويظهر أن محله ما لم يؤد اعتبار ذلك إلى طلوع فجر هؤلاء، بأن كان ما بين الغروب ومغيب الشفق عندهم بقدر ليل هؤلاء، ففي هذه الصورة لا يمكن اعتبار مغيب الشفق، لانعدام وقت العشاء حينئذ، وإنما الذي ينبغي أن ينسب وقت المغرب عند أولئك إلى ليلهم، فإن كان السدس مثلا، جعلنا ليل هؤلاء سدسه وقت المغرب، وبقيته وقت العشاء، وإن قصر جدا، ثم رأيت بعضهم ذكر فى صورتنا هذه إعتبار غيبوبة الشفق بالأقرب، وإن أدى إلى طلوع فجر هؤلاء، فلا يدخل به وقت الصبح عندهم، بل يعتبرون أيضا بفجر أقرب البلاد إليهم، وهو بعيد جدا، إذ مع وجود فجر لهم حسي، كيف يمكن إلغائه، ويعتبر فجر الأقرب إليهم، والإعتبار بالغير إنما يكون، كما يصرح به كلامهم، فيمن انعدم عندهم ذلك المعتبر، دون ما إذا وجد، فيدار الأمر عليه لا غير، ولا ينافي هذا إطلاق أبي حامد الآتي، لتعين حمله على اعتبار ما قررته من النسبة. (تحفة: 1/424


قال الرملي رحمه الله تعالى: ومن لا عشاء لهم، لكونهم فى نَوَاحٍ، تقصر لياليهم، ولا يغيب عنهم الشفق، تكون العشاء فى حقهم، بمضي زمن يغيب فيه الشفق فى أقرب البلاد إليهم،

 وقد سئل الوالد رحمه الله تعالى، هل مقتضى ذلك أنهم يصلون العشاء بعد فجرهم أَوْلاَ؟، وقول من قال: بل يقتضي أنهم يصلون بليل، له وجه أملا؟، فأجاب" بأن كلام الأصحاب المذكور محتمل لكل من الشقين، لكنه محمول على الثاني، لأنه فى بيان دخول وقت أدائها، ولم يستثنوا من أوقات صلواتهم إلا وقت العشاء، إذ لو حمل على الأول، لزم منه اتحاد أول وقتي العشاء والصبح فى حقهم، ولزمهم أن يبينوا أيضا أن وقت صبحهم لا يدخل، إلا بمضي قدر ما يغيب فيه الشفق فى أقرب البلاد إليهم، وأيضا فقد اتفقوا على أن صلاة العشاء ليلية، وحينئذ يلزم أن تكون نهارية فى حقهم، فإن اتفق وجود الشفق الأول عندهم، بأن طلع فجرهم بمضي قدر ما يغيب فيه الشفق فى أقرب البلاد إليهم، صلوا العشاء حينئذ أداء، لكن لا يدخل وقت صبحهم إلا بمضي ما مر (نهاية: 1/369)


جاء في "حاشية الروض المربع":

"وفاقد وقتها، كبلغار: مكلف بهما، فيقدر لها، كما يقدر في أيام الدجال؛ لما ثبت في صحيح مسلم قال: فاقدروا له..."

البلغار وهي: "مدينة الصقالبة ضاربة في الشمال، شديدة البرد، لا يكاد الثلج يقلع عن أرضها صيفًا ولا شتاء." (معجم البلدان 1/485).

وعلم من نصوص الفقهاء أنه لا مجال في ترك الصوم والصلاة لمن يعيش في البلاد المذكورة، بل يجب النظر إلى أقرب البلاد إليهم.

والله أعلم.

نجد في العالم بعض الاماكن   علي الحالة السابقة علي سبيل المثال

قرية فيجانيلا: تقع قرية فيجانيلا في إيطاليا، وتغيب عنها الشمس 6 أشهر في العام بسبب موقعها أسفل أحد الوديان العميقة، إذ تغيب عنها الشمس كل عام، من منتصف نوفمبر إلى أوائل فبراير. ويلجأ سكان القرية إلى خدعة المرايا للحصول على حاجتهم من الشمس إذ يستخدمون مجموعة من المرايا الضخمة التي تساعدهم على عكس أشعة الشمس بشكل مباشر إلى الأسفل.

جزيرة جرينلاند : تقع جزيرة جرينلاند بين منطقة القطب الشمالي والمحيط الأطلنطي، وهي جزيرة حُرمت من سطوع الشمس بها أغلب شهور العام، إذ لا تشرق فيها الشمس إلا أواخر مايو إلى نهاية يونيو وهي ظاهرة تعرف باسم شمس منتصف الليل.

ويعتمد سكان الجزيرة في الحصول على حاجتهم من الضوء إلى  التعرض للأشعة فوق البنفسجية التي أسستها شركات الطاقة في محطات الحافلات لتعويضهم عن نقص الضوء الذي يعانون منه.

مدينة مورمانسك : مدينة مورمانسك هي مدينة روسية يبلغ عدد سكانها حوالي 300 ألف نسمة، وهم يعيشون دون ضوء الشمس حوالي 6 أشهر في العام بسبب وقوعها خارج الدائرة القطبية الشمالية.

ولاية ألاسكا :هي إحدى ولايات إقليم المحيط الهادي، وتعتبر من أكثر المناطق برودة في العالم خاصة منطقة تنانا إذ تصل درجات الحرارة إلى حوالي 61 درجة مئوية تحت الصفر، وتشهد ظاهرة شمس منتصف الليل، فتقضي 6 أشهر في النهار فقط، ومثلهم ليلاً.

دولة أيسلندا :تقع أقصى شمال المحيط الأطلسي، ويصل طول الليل فيها شتاء إلى أكثر من 20 ساعة أحيانًا، لتشرق الشمس 4 ساعات فقط، بينما تصل ساعات النهار في الصيف إلى 22 ساعة

إرسال تعليق

0 تعليقات