الإمام أحمد رضا خان البَريلوي: عَلَمُ السنّة وخادمُ الشريعة

 


فيضان اشرف up طالب كلية  اللغة العربية جامعة مركز



يُعدُّ الإمامُ أحمد رضا خان البَريلوي رحمه الله أحدَ أعلامِ القرنِ الرابعَ عشر الهجري، وعَلَمًا بارزًا من أعلامِ أهلِ السُّنّة والجماعة، الذين خلّدوا أسماءَهم بخدمةِ العلم، ونُصرةِ الشريعة، وحمايةِ العقيدة، وبثِّ نورِ الهداية في أرجاء الهند وخارجها. وُلِدَ الإمامُ، كما تذكر المصادرُ الموثوقة، في مدينة بَريلي سنةَ 1272هـ، في أسرةٍ علميةٍ عريقة، نشأ فيها نشأةً صالحة، وتفتّحت مداركُه في بيئةٍ تُعظّم القرآنَ والحديث، وتُجلّ العلماء، وتحتفي بالسُّنّة وأصحابها. لقد لاحظ أهلُ زمانه نبوغَه المبكّر، فقد كان سريعَ الفهم، دقيقَ الإدراك، قويَّ الحافظة، حتى قيل: «ظهر في صِغَرِه ما يدلُّ على عِظم شأنه في كِبَرِه.»


وما إن بلغ أشدَّه حتى غدا من العلماء الذين تهافتت عليهم الأسئلةُ والفتاوى، فأصبح مرجعًا لأهل الهند، ومفزعًا للفقهاء، ومَحطَّ أنظارِ طُلّاب العلم، لما وهبه الله من سَعة الفقه، ودقّة الاستنباط، ورسوخ النظر في المذهب الحنفي. لم يكن الإمامُ أحمد رضا خان رحمه الله فقيهًا فحسب، بل كان موسوعيَّ المعرفة، جمع بين علوم الشريعة وعلوم الآلة؛ فكان مفسّرًا، ومحدّثًا، ومتكلمًا، وأصوليًا، ومنطقيًا، ولغويًا، ورياضيًا، وفَرَضيًا، حتى جاوزت مؤلفاته خمسين علمًا من العلوم، وتوزعت مصنّفاته على مئات الرسائل والكتب. ولعلّ أعظم آثاره العلمية وأشهرها كتابه الضخم «الفتاوى الرضويّة» الذي يُعَدّ موسوعةً شرعيةً فريدةً في بابها، تدلّ على دقةِ فهمه، وقوّةِ ملكته، وغورِ فكره، وسعةِ اطلاعه.


وقد كان رحمه الله شديدَ العناية بالسُّنّة النبوية، مُعظِّمًا لمقامِ رسولِ الله ﷺ، مُلتزمًا بنهجِ السلف، مُحييًا لمعارف الحديث روايةً ودرايةً. ألّف في هذا الباب مؤلفاتٍ جليلةً تُظهر ما كان عليه من التحقيق، والتثبّت، وطولِ النفس في البحث، حتى شهد له علماءُ الأزهر والشام والحجاز بأنه من أدقّ علماء عصره فهمًا، وأكثرِهم تحريرًا وورعًا. ولم يكن دفاعُه عن السُّنّة دفاعَ عالمٍ نظريٍّ فحسب، بل كان دفاعَ مُصلِحٍ غيور، وقف أمام التيارات المنحرفة، والبدع الفاشية، والشبهات المثارة؛ فكتب الردودَ العلمية القوية التي قلبت الحججَ على أصحابها، وأثبتت مكانته كمجدّد، حتى لقّبه العلماءُ بـ «سيفِ أهلِ السُّنّة المسلول».


ومن أبرز ما تميّز به الإمامُ رحمه الله شدّةُ حبّه لرسول الله ﷺ؛ ذلك الحبُّ الذي فاض شعرًا رقيقًا، ونثرًا بليغًا، يتغنّى به أهلُ الشرق والغرب، وتشتهر به مجالسُ العلم والمحبة. كان يرى أن خدمةَ السُّنّة لا تتمّ إلا بخدمةِ صاحبها ﷺ، وأن الدفاع عن العقائد لا يكتمل إلا باتباع الهديِ المحمدي في كل شيء. وقد ظهرت آثارُ هذا الحب في كل سطرٍ من كتاباته، وفي كل فتوى من فتاويه، وفي كل كلمةٍ من خطابه، حتى صار رمزًا للعشقِ الصادق، والإيمانِ العميق.


ولم يكن الإمامُ أحمد رضا خان عالمًا منقطعًا للكتب فحسب، بل كان نموذجًا للعابدِ الزاهد، كثيرَ العبادة، ملازمًا للأذكار، مُحافظًا على السنن، مُكثِرًا من قيام الليل، متواضعًا لا يحب الثناء، يهرب من الشهرة، ويرى العلمَ مسؤوليةً قبل أن يكون فضيلة. وكان يقول: «العلمُ ما قاد إلى العمل، فإن لم يُثمر عملًا فهو حجةٌ على صاحبِه.»


وحين انتقل الإمامُ أحمد رضا خان إلى الرفيق الأعلى سنةَ 1340هـ، ترك خلفه تراثًا ضخمًا لا يزال مصدرًا للعلماء والباحثين وطلاب المعرفة. لقد خلّف مدرسةً علميةً متينةً تمسّكت بالسُّنّة، وواجهت التحديات الفكرية، وحفظت عقائد أهل الحق من التحريف والضلال. ولا تزال كتبه تُدرس، وفتاويه تُبحث، ومنهجه يُتّبع، وتراثه يُستلهم؛ لأنه بنى ما يبقى، وأصلح ما يدوم، وكتب لله فبقي أثره بإذن الله.


وهكذا، فإن حياةَ الإمام أحمد رضا خان ليست صفحةً من التاريخ فحسب، بل هي مدرسةٌ كاملة، تؤكد أن العلم رسالة، وأن الدفاع عن الدين فضيلة، وأن نصرةَ السُّنّة شرفٌ لا يناله إلا من صدقت نيّتُه وصحّت عزيمتُه. فرحمه الله رحمةً واسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ورضي عنه وأرضاه، وجعل قبره روضةً من رياض الجنان.

إرسال تعليق

0 تعليقات