أستاذ في الفقه المعاصر - جامعة مركز الثقافة السنية.
الإسلام دين إلهي وأساسه الوحي السماوي المتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، ويمس جميع الجوانب البشرية إيجابيا و سلبيا ، ويشير الي اكتشافات مذهلة توجد في العصور الحديثة ، كما يفهم من المفهوم الواسع لقول الله تعالي (والعصر إن الإنسان لفي خسر ) سورة العصر/1. وقد جمع الله جميع ما تحتاجه الأمة البشرية في هذه الآية ، قال الإمام الشافعي رحمه الله "إنها سورة لو لم ينزل إلى الناس إلا هي لَكَفَتْهُم"؛ حيث نقلها غير واحد من أهل العلم عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى بعدة روايات وألفاظ متقاربة، تؤدي إلى معنًى واحد، ومن هذه الروايات: "لو ما أنزل الله حُجَّةً على خلقه إلا هذه السورة لَكَفَتْهم"، ورواية أخرى: "لو تدبَّر الناس هذه السورة لوسِعَتْهم"؛ [انظر: تفسير الإمام الشافعي (3/ 1461)، ( تفسير ابن كثير (1/ 203)، التحرير والتنوير (30/ 528].
وفي طيات هذه السورة إشارات إلي النبضات والتغيرات والمستجدات التي تتعرض لها العصور المختلفة لكن النظرة الإيجابية والسلبية أمر لا مفر منه وإلا يكون في الخسارة الفادحة كما يدل قوله تعالي " لفي خسر " وتؤيد هذ المعني قراءة أخري عن علي بن ابي طالب رضي الله عنها "والعصر و نوائب الدهر " .
وأيضا في قوله تعالي" فتبارك الله أحسن الخالقين" سورة المؤمنون /14، إشارة إلي أن الإنسان يخلق بعض الأشياء الاصطناعية لكن ليس من العدم .
قال الإمام الغزالي رحمه الله توفي 505ه في المقصد الأسني: لا حظ للعبد في اسمه تعالى الخالق إلا بوجه من المجاز بعيد ، فإذا بلغ في سياسة نفسه وسياسة الخلق مبلغاً ينفرد فيه باستنباط أمور لم يسبق إليها ، ويقدر مع ذلك على فعلها كان كالمخترع لما لم يكن له وجود من قبل فيجوز إطلاق الاسم أي الخالق عليه مجازاً.
فجعل جواز إطلاق فعل الخلق على اختراع بعض العباد مشروطاً بهذه الحالة النادرة، ومع ذلك جعله مجازاً بعيداً فما حكاه الله في القرآن من قول عيسى عليه السلام: " أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ"آل عمران /49 ، وقول الله تعالى: "وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي " المائدة / 110 ، فإن ذلك مراعى فيه أصل الإطلاق اللغوي قبل غلبة استعمال مادة خلق في الخلق الذي لا يقدر عليه إلا الله تعالى، ثم تخصيص تلك المادة بتكوين الله تعالى الموجودات ومن أجل ذلك، قال تعالى: " فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" .
ونظرا إلي هذه الآية وأمثالها من قوله" فلا اقسم بما تبصرون ومالا تبصرون " نستطيع أن نقول إن الأمة البشرية تري اكتشافات رائعة وعجائب هائلة " ولتعلمن نباءه بعد حين " س/88 ، " كلا سوف تعلمون "التكاثر/3 ، وعندما نقوم بالمقارنة بين حقائق القرآنية والاكتشافات العصرية نجد - بدون شك - تكنولوجيات العصر لها إشارات في القرآن الكريم ، فعلي سبيل المثال عندما یخبر القرآن أنّ سلیمان علیه السلام یقطع مسافة بُعدٓ شهرین وهو یطیر في السماء، یشیر إلى أن الناس يستطيعون قطع مسافات بعیدة في السماء، فإنه یشیر إلی الآلات الجویة الحديثة كالطائرات والهليكوبتر والطائرة النفّاثة. قال تعالى ”وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ” سورة سبأ / 12.
وأيضا قوله تعالي " أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن " الملك / 19 " وانظر إلي طعامك لم يتسنه " البقرة / 259, فالنظرة الواسعة في هذه الآيات ترشدنا إلي الطائرات المختلفة وإلي ايجاد حالة لا تتغير الأشياء مثل الطعام مثل الثلاجات ويفهم أيضا"علم الآثار"من قوله تعالي “فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لغَافِلُونَ” ، سورة یونس/ 92.
وعلم الأجنة من قوله تعالي " ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين” سورة المؤمنون/14. وكما يفهم الكهرباء من قوله تعالي " وإذا البحار سجرت " التكوير / 6
،في الحقيقة هذه كلها تحقيق لقوله تعالي : “مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ” الأنعام/ 38 ، وقال تعالی: “وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ” سورة الأنعام/ 59 ، ولا يختلف اثنان أن القرآن هو نقطة الانطلاق لهذه الاكتشافات العلمية كما قال محمد بن موسى الخوارزمي وهو واضع قواعد الحاسب الآلي، حتى سمّي بأبي الحاسب، ووضع الكثير من قواعد الرياضيات والتي دُرِّست في جامعات الغرب لقرون طويلة، واعتمد عليها علماء الغرب في وضع نظرياتهم واكتشافاتهم في مجال الرياضيات ، وقد لقَّبه علماء الغرب بأبي الجبر ، فكتاب الجبر والمقابلة له هو أول كتاب في الحساب يُترجم إلى اللاتينية، وأول كتاب يضع أساساً علمياً لنظام عمل الحاسبات الرقمية الحديثة، "هذا الكتاب كما يقول مؤلفه كان سبب تأليفه هو تعاليم الإرث الواردة في القرآن الكريم".
ولأجل ذالك نستطيع القول أن الإسلام فتح العقول وانار آفاقاً جديدة أمام البشرية قال تعالى: “ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ” ، العلق: 1-5 ، وذُكرت كلمة “علم” في القرآن الكريم في أشكالها المختلفة من الفعل، والصفة، والاسم، وما إلى ذلك ( 777 ) مرة. بينما ظهرت كلمة القراءة ( اقرأ ) والتي تعني القراءة والفهم بأشكال مختلفة ( 88 ) مرة في القرآن. كما ظهرت كلمة (فكر ) التي تعني “التفكير / التفكر / التأمل ” في أشكال مختلفة ( 18 ) مرة في القرآن. ظهرت كلمة ( عقل ) والتي تعني الفهم واستخدام المعنى بأشكال مختلفة ( 49 ) مرة في القرآن الكريم. ظهرت كلمة ( تلا ) التي تعني “تلاوة / قراءة” بأشكال مختلفة ( 63 ) مرة في القرآن. وهذا يدل على الأهمية الهائلة المعطاة للمعرفة والعلم في القرآن .
ولابد من الاشارة إلي أنه حيثما ورد ذكر العلم في القرآن ، فإنه لا يشير إلى المعرفة الدينية فقط، فنجد هناك الكثير من الآيات القرآنية التي تتحدث عن الحقائق العلمية ، لقد عمل العلماء عليها كثيرًا، ووجدوا أن هناك ما يقرب من (1000) آية تتناول الحقائق العلمية. تنتمي هذه الآيات إلى مجالات علمية مختلفة، على سبيل المثال، علم الفلك، والفيزياء، والجيولوجيا، وعلم المحيطات، وعلم النبات، وعلم الحيوان، والطب.
ومن العجيب جدٓٓا أن الإنسان وجدا إنسانا بديلا في العالم الجديد ، فعندما حللنا الأمور الجارية في العصر الحديث نجد إنه كما سيطرت الشبكات والهواتف والتسهيلات العصرية علي حياة الإنسان فسوف يسيطر الذكاء الاصطناعي عن قريب علي حياة البشرية بل علي الإنسان أيضا وفي الحالة الأخيرة ينشئ تساؤلات منها هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسيطر علي الدين؟
هل يكون الذكاء الاصطناعي خطرا علي الإنسان ، أو يحقق آماله ، وهذا بحث ساخن يجري في كل مجالات العلم الحديث في شتي بلاد العالم ، هل يكون داخلا في معني قول النبي صلي الله عليه وسلم " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " و يستعمل الإنسان الذكاء الاصطناعي في كل مجاله الحياتية حتي في مجال الجنسية نظرا إلي ذلك أمر الرئيس الأمريكي ( جون بايدن ) بفرض القيود علي شركات الذكاء الاصطناعي.
والذكاء الاصطناعي آخذ في التوسع في كافة المجالات ومن بينها المجال الديني، ففي اليابان ابتكر المهندسون عدة ربوتات، منها: “ميندار” Mindar في معبد “كيتو” لتحفيز الزوار للاهتمام بالتعاليم البوذية، وهذا الكاهن مصنوع من الألمونيوم، لكنه لم يمنح الاستقلال للحديث في الشأن الديني، ولعل هذا ما جعل معابد أخرى تتنافس لتقديم نسخ أكثر تطورا.
وفي ألمانيا طورت الكنيسة البروتستانتية - منذ سنوات - روبوتًا اسمه “بليس يو 2” BlessU-2 يحتوي على صندوق بشاشة تعمل باللمس، وله يدان ورأس، ويتكلم خمس لغات، ويبث نورا من عينيه ، كما أنه قادر أن يتحول بصوته إلى ذكر أو أنثى، حسبما يريد الشخص.
أما الكنيسة الكاثوليكية فقدمت الراهب “سانتو ” SANTO الذي يقوم بوظائف الراهب الكاثوليكي، وتبحث الكنيسة إمكانية أن تقوم الربوتات بمباركة الناس.
أما الفاتيكان فسعى لانشاء روبوتات طاردة للأرواح الشريرة، وتحدث آخرون عن “ كنيسة الذكاء الاصطناعي” لكن المدهش هو أن الربوتات هذه تم تقديمها لسد عجز الكهنة في أوروبا.
وفي الصين تم تطوير راهب آلي يقدم تعاليم بوذا .
حتى اليهودية تطرق لها الذكاء الاصطناعي، في ربوتات تلعب دور الحاخام، وتلقى خطبا دينية تسلتهم التوراة .
فهل ترديد الربوتات لخطبة أو موعظة، أو حتى تقديم فتوى، يعني أنها باتت قادرة على القيام بالدور البشري في الدين، وهل تنقرض وظيفة رجل الدين مع التوسع في استخدام الربوتات الدينية سؤال تجيب عن الأيام المقبلة مع خطورة ذلك علي الأديان والقيم والأخلاق ومكانة رجال وعلماء الدين في المجتمعات ، ففي مارس 2023 كُتب في صحيفة ة( لوس أنجلوس تايمز ) مقالا بعنوان هل يمكن للدين أن ينقذنا من الذكاء الاصطناعي؟
تحدث عن انشغال كثير من المؤسسات الدينية بقضية الذكاء الاصطناعي، فمتى يصل هذا الإنسان الاصطناعي إلى أن يكون إماما وخطيبا في المساجد وأستاذٓٓا في المدارس والكليات .
نظرة تاريخية للذكاء الاصطناعي : ففكرة الذكاء الاصطناعي تقتفي جذور الروبوت الحديث ، وترجع إلى أجهزة آلية اخترعت في الماضي البعيد وأطلق عليها «الآلات ذاتية الحركة» ، ففي طيبة في عهد قدماء المصريين حوالي عام 1500 قبل الميلاد، ابتُكر تمثال للملك ( ممنون ) كان يُصدر أصواتًا موسيقية جميلة كل صباح. وفي اليونان - خلال القرن الرابع ق.م. اخترع ( أركيتاس ) عالم الرياضيات، حمامة آلية قادرة على الطيران.
وفي القرن الثالث قبل الميلاد، اخترع ( ستيسيبيوس ) العديد من الأجهزة الآلية ، ومنها آلة موسيقية تشبه ( الأرغن ) تعمل بالمياه، إضافة إلى ساعة مائية، ولم تكن هذه أول ساعة مائية في التاريخ، فقد عرفها قدماء المصريون سابقًا، ولكن تميزت ساعة ) ستيسيبيوس ) بأنها كانت مزودة بجهاز يجعل من مستوى المياه ثابتًا، وكانت تعمل بنفس طريقة الغرفة العائمة في مازج السيارات الحديثة.
و بالنسبة إلي الاسلام ليست هذه وليدة اليوم والفقهاء القدامي تحركت في جميع الاصعدة بحثا واجتهادا واكتشافا ليس في الأمور الدينية فقط ، بل لهم أسبقية في شتى ميادين العلم، وقد سجل التاريخ السبق لهؤلاء في الكثر من الاختراعات في جميع المجال ومنهم الإمام القرافي الذي انشأ الروبوت كما قال العلامة ( الزركلي) في كتابه ( الأعلام ) ، وكان الإمام القرافي مع تبحره في عدة فنون، من البارعين في عمل التماثيل المتحركة في الآلات الفلكية وغيرها، فنقل عن كتابه (شرح المحصول) قوله: بلغني أن الملك الكامل وضع له شمعدان كلما مضى من الليل ساعة انفتح باب منه ، وخرج منه شخص يقف في خدمة الملك ، فإذا انقضت عشر ساعات طلع الشخص على أعلى الشمعدان ، وقال: صبح الله السلطان بالسعادة،. فيعلم أن الفجر قد طلع.قال: وعملت أنا هذا الشمعدان، وزدت فيه أن الشمعة يتغير لونها في كل ساعة، وفيه أسد تتغير عيناه من السواد الشديد إلى البياض الشديد إلى الحمرة الشديدة في كل ساعة لها لون، فإذا طلع الفجر طلع شخص على أعلى الشمعدان، وإصبعه في أذنه يشير إلى الاذان، غير أني عجزت عن صنعة الكلام. (كتاب الإعلام 1/95) .
والأمر الذي يفهم من الكلام السابق إن الإمام القرافي كان بارعا في ميدان الاختراعات علي وجه الخصوص وكان مشهورا بالميكانيكا الذي عرف قديمٓٓا ( بعلم الحيل ) وقد صرح الإمام القرافي في كتابه" “ نفائس الأصول ” الذي شرح فيه كتاب " المحصول " للرازي، خلاصته :
أن القاضي الفاضل وزير الملك " الناصر صلاح الدين " جاءه رجل مدعيا امتلاك صنما يتكلم ، فلما اطلع عليه وجده مصنوعا من رخام ومغطى برمل إلا رأسه، فطلب منه أن يستنطقه فجعل الرجل أصبعه على فتحة في رأسه وحبس خروج الريح منه حتى يغمره ، فلما فتحه خرج منه ذلك الريح المنحبس مرددا عبارة تقول: “هاتان المدينتان كانتا لشداد وشديد ابني عاد، ماتا وصارا إلى الرب ، من ذا الذي يبقى على الحدثان؟”، وكلما أعاد تلك الحيلة عاد الصنم إلى ترداد جملته تلك " .ا.ه .
وانتهى القرافي في سرد كل هذه القصص والمغامرات إلى قاعدة ذهبية في الكلام وفي حدّه، حيث أبرز اتفاق العقلاء على أن “الأصوات لا تفتقر للحياة، وإذا نطق الجماد بالكلام فهو كلام عند العرب)نفائس الأصول: 1/ 442 .
وفي ظل التقدم التقني الكبير الذي نشاهده من حولنا على كافة المستويات، وإحلال الرّقْمَنة مكان الإنسان في كافة الوظائف والمِهَن والنشاطات، والعبادات والمعاملات فكان واجبا علينا مناقشة قضايا تتعلق بالذكاء الاصطناعي في جوانب متعددة، مثل ما يتعلق بالشريعة، وما يتعلق بالعبادات وغيرها من الأحكام الفقهية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.فعلى سبيل المثال:
١- الذكاء الاصطناعي وأثره في العقود والمعاملات الشرعية والقانونية .
٢- ابرام العقود في التجارة الإلكترونية بواسطة الوكيل الذكي .(Intelligent Agent.
٣- عقد الزواج الذكي (التوثيق بواسطة الروبوت .
٤ - تطوير الروبوتات (Robotics) وما يتعلق به من أحكام فقهية وتشريعية .
٥ - المسؤولية والضمان فيما تحدثه الروبوتات المستقلة من أضرار في الشريعة الإسلامية.
٦ - زرع الروبوتات لتعزيز القدرات البيولوجية للإنسان .
٧ - الأطراف الصناعية الروبوتية.
ونزيد الأمر إيضاحا فهل يتحقق ذلك خطبة الجمعة وصلاة العيدين، هل يصح أن يؤم المصلين ويخطب لهم ؟
هل يمكن أن يقوم الذكاء الاصطناعي بالإمامة للمصلين في المسجد إذا كان حافظًا للقرآن الكريم و يقرأ بالإحكام التجويدية المنضبطة ؟!
وفيما يتعلق بالزكاة..
هل تجب عليه الزكاة في حالة كونه مخاطبًا بالأحكام الشرعية وغيرها من القضايا ؟
وفي الحج.. هل يمكن أن يؤدي مناسك الحج عن نفسه إذا كان مخاطبًا أو عن غيره إذا كان متوفيًا ؟
وكذلك الصيام هل يحق له الصوم وغيره من المسائل التي تتوجب على المكلفين ؟
وهل يقبل شهادته في باب القضاء أم لا ؟ وهل تَعدِل شهادة الرجل شهادة المرأة ؟ والتي هي نصف شهادة الرجل .
وفي باب الإمامة الكبرى ( ولاية الدولة و سلطاتها ) هل يجوز أن يتولاها الذكاء الاصطناعي في حالة توافر الشروط فيه أم لا ؟ وهل يستلزم ذلك الشروط التي اشترطها العلماء في اختيار الحاكم ؟
وعن الأذان الشرعي والنساء للصلاة في أوقاتها الخمسة من الإنسان الذكي والذبح منه وحكم القراءة منه وسجود القراءة منه وغيرها من الأمور اللتي يطول ذكرها ،
وسؤال آخر نطرحه عن أنواع الروبوتات : السيارات المستقلة (ذاتية القيادة) : الطائرات المستقلة (ذاتية التوجيه) ، الروبوتات المستقلة في مجال الصحافة والإعلام والتأليف. الإنسان الآلي البشري الاجتماعي الوراثة، وعلم التشريح .
وهنا بعد هذا العرض لابد أن نعرف الذكاء الاصطناعي لنكون على بينة من أمرنا وأمر القارئ الكريم فنقول : أولا : تعريف الذكاء الاصطناعي: الذكاء الاصطناعي هو أحد فروع علم الحاسوب، وإحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها صناعة التكنولوجيا في العصر الحالي، ومعناه أن يقوم الحاسب بمحاكاة عمليات الذكاء التي تتم داخل العقل البشري.
وهناك تعرف آخر وهنا يمكن تعريف مصطلح الذكاء الاصطناعي -الذي يشار له بالاختصار (AI)- بأنه قدرة الآلات والحواسيب الرقمية على القيام بمهام معينة تحاكي وتشابه تلك التي تقوم بها الكائنات الذكية. ( أساليب الذكاء الاصطناعي، أحمد هاني حماد)
وقبل البحث عن فقه هذه القضية لابد من معرفة من فقه الوسائل في الشريعة الاسلامية فقد حث الإسلام علي الوسائل الجائزة حيث ورد في القرآن ( يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وابتغو اليه الوسيلة ) المائدة / 35، خاصة في نشر الدعوة الإسلامية وفي مجال التعلم والتعليم .
وجدير بالقول إنه قد استخدمت في زمن النبي صلي الله عليه وسلم الوسائل الميسورة مثل الكتابة والخطابة والرسوم والخطوط والحوار والاختبار والرسائل وتعلم اللغة المختلفة وتدوين الكتب وفهم من هذا الوسائل المعروفة في كل عصر إذا أدت إلي الخير فهو خير واستعمالها جائزة ، وإذا استعملت في الشر كان استعمالها محرما.
ونجد في العصر الراهن الوسائل العصرية مثل الكمبيوتر والشبكة العنكبوتية وجي بي تي والإنسان الذكي والروبوت ولا تخالف جوانبها الإيجابية في الدعوة والبحث العلمي وتيسير الأمور مثل استخدام كتب الفتاوي ،
قال الإمام ( الشرواني ) في استخدام الوسائل العصرية في المعاملات مثل الكتابة الخبر يقابلها المسلك المحدث في الأزمنة المتأخرة فالعقد به كناية ومنع الفقهاء المعاملة برؤية المبيع من خلال الشاشات.
كما أورد ابن حجر في ( تحفة المحتاج ) إذا رأى المبيع في زجاجة فلا يصح البيع .
و أورد النووي رحمه الله البيع بالهاتف وقال : لو تناديا وهما متباعدان وتبايعا صح البيع بلا خلاف ( شرح المهذب 9\181 ) ومنع الفقهاء كذلك بعض الأمور الشرعية بالوسائل كالنكاح عبر الشبكات لعدم رؤبة حقيقية كما صرح ابن حجر رحمه الله في التحفة ، وثبوت الهلال بالرؤية بالآلة التي تكبر الصغير و تصغر الكبير ، كما أن رؤية الهلال يجب أن يكون بالعين المجردة لا بواسطة التلسكوب والكاميرات والوسائل العصرية ، قال ابن حجر رحمه الله : لا يثبت الهلال بواسطة نحو مرآة، كالماء والبلوري الذي يقرب البعيد ويكبر الصغير في النظر (تحفة المحتاج ) و جواز استخدام بيت الإبرة القطب أو البوصلة في تعيين القبلة كما في ( التحفة والنهاية ) وجواز السفر بقطع المسافات الطويلة بمركب عصري قال في ( المنهاج ) فلو قطع الأميال فيه في ساعة (لشدة الهواء ) قصر والله أعلم .
ويجوز الاعتماد علي بيت الإبرة (البوصلة ) في دخول الوقت والقبلة لإفادتها الظن بذلك كما يفيده الاجتهاد أفتى به الوالد رحمه الله ، فقضيته أن بيت الإبرة ( البوصلة ) في مرتبة المجتهد لكن تعبيره بجواز الاعتماد يشعر بأنه مخير بين العمل وبين الاجتهاد .
ومسألة السجود بسماع القرآن من المسجل أو الراديو لأن الفقهاء بحثوا عن سُنية السجود بقراءة الحيوان قال الاسنوي رحمه الله كلام الأصحاب مشعر بعدم استحباب السجود لقراءته، ويفهم منها حكم السجود بسماع القرآن من الوسائل العصرية، والفقهاء اشترطوا القراءة علي سبيل القصد ومثلو لذلك كقراءة الطيور والدرة أي ( الببغاء ) مغني المحتاج ١/٣١٣ تحفة المحتاج ٢/ ٢٠٨ .
ففهم منها ضرورة السجود بسماع القرآن من الإنسان الذكي وغيره من الوسائل العصرية ، أما استماع القرآن لقراءة الإنسان الالي فكحكم الاستماع لقراءة الإنسان لأن الله قال :"وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون " الأعراف / 204 علي صيغة المجهول .
اتخاذ الإنسان الالي في الفقه حكم اتخاذ الروبوتات على صورة الإنسان أو غيره من ذوات الأرواح لا يجوز رسمه في نظر الفقه الإسلامي لأن من يفعل ذلك إنما يرسم في الحقيقة صورة إنسان أو صورة ذي الروح التي صنع على هيئة الروبوت، لكن إذا كان ناقص الخلقة كفاقد الرأس أو كان على غير شكل الإنسان أو غيره فلا حرج ، ويستدل لهذا القول بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ " ، البخاري(5953)، ومسلم(2111). وكذلك يستدل له بقول الله تعالى في الحديث القدسي : " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي " رواه
رواه البخاري (5607)، ومسلم (2108
قال الإمام النووي رحمه الله قال أصحابنا وغيرهم من العلماء : تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم ، وهو من الكبائر ؛ لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث ، وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره ، فصنعته حرام بكل حال ؛ لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى ، وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها .
وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام . هذا حكم نفس التصوير ( شرح مسلم ) . وهذا تلخيص مذهبنا في المسألة ، وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، وهو مذهب الثوري ومالك وأبي حنيفة وغيرهم .
وقال بعض السلف : إنما ينهى عما كان له ظل ، ولا بأس بالصور التي ليس لها ظل ، وهذا مذهب باطل ؛ فإن الستر الذي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم الصورة فيه لا يشك أحد أنه مذموم ، وليس لصورته ظل مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة .( شرح مسلم و التحفة والمغني والنهاية وغيرها من الكتب الفقهية ).
أما قول بعض المعاصرين: اتخاذ الإنسان الذكي علي شكل الإنسان جائز إذا كانت المصلحة راجحة فمرفوض ، لأن هناك إمكانيات لشكل غير الإنسان
أما تعيين الإنسان الذكي في وظائف المساجد "الاذان والامامة" فلا يصح لأن شروط الاذان الإمامة المذكورة في الفقه غير متوفرة فيه علي سبيل المثال :
١- دخول الوقت .
٢ - أن يكون باللغة العربية
٣- رفع الصوت به، بحيث يسمع بعض الجماعة، أو يسمع نفسه، إن كان منفردًا.
٤- الترتيب، والمولاة بين ألفاظ الأذان.
٥- أن يكون المؤذن مسلمًا عاقلًا مميزًا ذكرًا، فلا يصح أذان الكافر، أو المجنون، أو غير المميز، كما لا يصح أذان النساء ، ويكره أذان الفاسق، ويشترط للأذان النية كذلك ، والمرأة لا أذان عليها .قال ابن حجر رحمه الله (وَشَرْطُ الْمُؤَذِّنِ)وَالْمُقِيمِ (الْإِسْلَامُ، وَالتَّمْيِيزُ) فَلَا يَصِحَّانِ مِنْ كَافِرٍ وَغَيْرِ مُمَيِّزٍ كَسَكْرَانَ لِعَدَمِ تَأَهُّلِهِمْ لِلْعِبَادَةِ فِي الْكُفْرِ وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ نَصْبِ نَحْوِ الْإِمَامِ لَهُ تَكْلِيفُهُ وَأَمَانَتُهُ وَمَعْرِفَتُهُ بِالْوَقْتِ، أَوْ مَرْصَد لِإِعْلَامِهِ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وِلَايَةٌ فَاشْتُرِطَ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِهَا (وَ) شَرْطُ الْمُؤَذِّنِ (الذُّكُورَةُ) فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى لِرِجَالٍ وَخَنَاثَى وَلَوْ مَحَارِمَ كَإِمَامَتِهَا لَهُمْ وَأَذَانُهُمَا لِلنِّسَاءِ جَائِزٌ كَمَا مَرَّ فيه.
أما حكم المعاملة من سوق ذكي فمعلوم من مسألة المعاطاة ، وهذه المسألة بحثها الفقهاء ايجابيا وسلبيا ، وقد وردت تعاريف كثيرة عن المعاطاة. قال الإمام الخطيب فى المغنى أن يتفقا على ثمن ومثمن من غير ايجاب ولا قبول وقد يوجد لفظ من أحدهما (مغنى المحتاج) .
وتعريف الحنفية : وضع الثمن وأخذ المثمن عن تراض منهما من غير لفظ ( حاشية روض المربع ، شرح زاد المستقنع ٤/٣٣٠ ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ٥/٢٩١ .
وعند المالكية : أن يعطيه الثمن بلا ايجاب ولا استيجاب والمقصود من البيع إنما هو أخذ ما فى يد غيرك بعوض ترضاه فلا يشترط القول فيكفى الفعل. ( مواهب الجبيل شرح مختصر الخليل ) .
قال الإمام النووى رحمه الله فى شرح المهذب ٩/١٩١ " واختار جماعة من اصحابنا جواز البيع بالمعاطاة فيما يعد بيعا " .
وقال مالك : كل ما عده الناس بيعا فهو بيع ، وممن اختار من أصحابنا أن المعاطاة - فيما يعد بيعا - صحيحة وأن ما عده الناس بيعا فهو بيع . ( صاحب الشامل والمتولي والبغوي والروياني) .
وقال المتولي : وهذا هو المختار للفتوى ، وكذا قاله آخرون . وهذا هو المختار ، لأن الله تعالى أحل البيع ولم يثبت في الشرع لفظ له فوجب الرجوع إلى العرف فكل ما عده الناس بيعا كان بيعا نظرا الى هذه يفهم جواز المعاملة فى سوق ذكي مع اجتماع أركان البيع من عدم تطويل الفصل بين الايجاب والقبول وتوافق الايجاب والقبول لفظا أو كتابة وعدم تخلل كلام أجنبي ووجود العاقدان والأهلية والولاية وأن يكون قابلا لحكم العقد شرعا ومعلوما لطرفين مقدورا على تسليمه مملوكا لبائعه ضمان قتل الروبوتات الروبوتات القاتلة، أو الإنسان الآلي القاتل نتيجةالتطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي ، وتسارع وتيرة الأسلحة التي يمكنها تحديد العدو بشكل ذاتي ومستقل ثم تتخذ قرارا ميدانيا - قد يتضمن قتل البشر - دون وجود ضابط يوجه الهجوم أو جندي يسحب الزناد. ومن المتوقع أن تصبح تلك الآلات بمرور الوقت أساس الحروب والعمليات العسكرية الجديدة، ويُطلق عليها اسم أنظمة الأسلحة المميتة الذاتية/ المستقلة، لكن مناهضيها يسمونها "الروبوتات القاتلة : فعلى سبيل المثال، إذا ارتكب الروبوت جريمة حرب، هل سيعتبر ضابط القيادة في ساحة الصراع مسؤولًا؟ أم أن المسؤولية ستتوقف عند المسؤولين الذين قرروا نشر الآلة العسكرية في المقام الأول؟
وهل سيكون مصنّع السلاح مسئولًا هو الآخر أم لا ؟ وهكذا لو أتلف الانسان الآلي مال الغير أو زرعه أو صار سببا لموت رجل من المسئول فما حكم هذه المسألة و ماحكم سائق ذكي معلوم من مسألة الضمان .
قال ابن حجر رحمه الله من كان مع دابة أو دواب ضمن إتلافها نفسا ومالا ليلا ونهارا لِأَنَّ فِعْلَهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ حِفْظُهَا وَتَعَهُّدُهَا. التحفة/ كتاب الصيال /فصل في حكم إتلاف الدواب.
الذكاء الاصطناعي في مجال البحث : أما استخدام الإنسان الآلي في مجال البحث والاستفسار في الامور الشرعية فلا بأس به ، إذا كان التسجيل فيه علي شكل مظبوط ، وفي رعاية عالم خبير كما يؤخذ العلوم من الكتب الفتاوي لكن للعالم بالأصول والقواعد .
وجدير بالقول أن الكتب التراثية و الفتاوي في العصر الحديث تسجل رقميا ، وطلب التيسير والتسهيل في مجال البحث والتعلم والتعليم أمر جائز ، قال الإمام النووي رحمه الله :" وَلَا يَشْتَغِلُ بِنَسْخِهَا إنْ حَصَلَتْ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ أَهَمُّ إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ الشِّرَاءُ لِعَدَمِ الثَّمَنِ أَوْ لِعَدَمِ الْكِتَابِ مَعَ نَفَاسَتِهِ فَيَسْتَنْسِخَهُ وَإِلَّا فَلْيَنْسَخْهُ ". شرح المهذب ١/٣٩ .
وفهم من عبارة النووي رحمه الله إذا حصل علي كتاب جامع أو مكتبة شاملة أو مكتبة رقمية أو انسان آلي مظبوط يجوز الاعتماد عليه ولا مانع من ذلك ، كما يعتمد علي موسوعات كبيرة .
0 تعليقات