"أهمية الجنايات في الإسلام: تشريع لتحقيق العدالة وحماية المجتمع"


اعداد:عبد الله البلنوري الهندي

تُعد الجنايات في الإسلام من أعمدة النظام التشريعي الذي أراد الله به حفظ المجتمعات من الانهيار، وتحقيق الأمن والعدالة، وضمان سلامة الأفراد في دينهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم وعقولهم. فالتشريع الجنائي في الإسلام لم يأت عبثًا، بل جاء ضمن منظومة متكاملة من القيم والمبادئ التي تهدف إلى إقامة مجتمع متماسك، ينعم بالاستقرار والطمأنينة.

أولًا: حفظ النظام العام وصيانة المجتمع

لقد شُرعت الأحكام المتعلقة بالجنايات حمايةً للنظام العام، وصيانةً للمصالح الكبرى التي يقوم عليها المجتمع. فهذه الأحكام تسعى لردع المفسدين، ومنع الجرائم، والتقليل من دوافع الفوضى والعدوان، بما يرسّخ الأمن ويحقق الطمأنينة بين الناس.

ثانيًا: تحقيق العدالة وردع المجرمين

من أبرز أهداف نظام الجنايات في الإسلام تحقيق العدالة بين الناس، وردّ الحقوق إلى أصحابها، ومعاقبة المعتدين بما يستحقونه من غير ظلم ولا تجاوز. كما تسعى العقوبات إلى ردع الجاني عن تكرار فعله، وردع غيره عن التفكير في ارتكاب الجريمة، مع إراحة قلوب المظلومين وتسكين غضبهم المشروع.

ثالثًا: حماية الضرورات الخمس

يندرج نظام الجنايات ضمن منظومة أوسع لحماية الضرورات الخمس التي جاء الإسلام للمحافظة عليها، وهي:

الدين: بحمايته من الإفساد أو الإكراه.

النفس: بمنع القتل أو الإيذاء أو الترويع.

العقل: بتجريم المسكرات والمفترات.

النسل (العِرض): بتحريم الزنا والقذف.

المال: بتحريم السرقة والغصب والخيانة.

فالجنايات هي الحصن الحامي لهذه الضرورات التي لا تقوم الحياة إلا بها.

رابعًا: تصنيف الجنايات وتنوع العقوبات

تناول الفقه الإسلامي الجنايات بأنواعها، ففرّق بين الجنايات على النفس (كالقتل العمد، وشبه العمد، والخطأ)، والجنايات على ما دون النفس كالضرب والجرح، والجنايات على المال. كما حدد العقوبات المناسبة لكل نوع، بدءًا من القصاص، ومرورًا بـ الدية، وانتهاءً بـ التعازير التي يقدّرها القاضي حسب المصلحة.

خامسًا: التوازن بين الحزم والرحمة

على الرغم من الحزم الواضح في التشريعات الجنائية الإسلامية، فإنها لا تخلو من مساحات واسعة للتسامح والعفو. فقد خيّر الله أولياء الدم بين القصاص والدية، بل رغب في العفو بقوله تعالى:

{فمن عُفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} [البقرة: 178].

وهذا التوازن بين الشدة والرحمة يجعل من الشريعة نموذجًا فريدًا في إقامة العدالة دون قسوة، وإرساء الرحمة دون تهاون.وعلم مما ذكر

إن الجنايات في الإسلام ليست مجرد قوانين عقابية، بل هي جزء من منظومة ربانية تسعى لإقامة مجتمع فاضل، يسوده العدل، وتُصان فيه الكرامة الإنسانية. ولذا فإن فهم هذه الأحكام واستحضار مقاصدها الكبرى هو من أهم ما ينبغي على الأمة الإسلامية العناية به، حتى تتحقق العدالة التي أمر الله بها، ويعم الخير في الأرض.

إرسال تعليق

0 تعليقات